يطرح السجال بين مدافع ومهاجم لمجموعة من طلبة بيرزيت شاركوا في فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يرقصون الدبكة الشعبية مجموعة من الأسئلة، هل يمكن ان يكون الاسفاف في النقد مؤشر لحالة الانحطاط التي وصل لها الشارع الفلسطيني؟ هل تحول نصف الشعب الفلسطيني لأنبياء وقضاة يوزعون شهادات تحريم وتحليل؟ وشهادات الوطنية والتخوين؟
لأولئك الذين كفروا وخونوا طلبة بيرزيت في الفيديو المذكور، هل يرقصون في مناسباتهم؟ هل يدبكون؟ الاعتداء على الحالة الثقافية يوازيها الاعتداء على القرار السياسي الشعبي الفلسطيني والحريات الشخصية والعامة، فمنذ توقيع اتفاقية اوسلو باتت الثقافة الفلسطينية مهددة بالتراجع ان لم تتراجع اصلا، وصرنا نحتمي بكبار مثقفينا الميتين وانتاجهم الادبي بسبب ما تعيشه الحالة الثقافية الحالية من دخلاء وانتهازيين/ات، في مختلف المجالات الابداعية والفنية "مسرح وسينما وفنون تشكيلية، وشعر ورواية"، وغاب المثقف المتمرد.
فبينما يبرز على السطح اشباه المثقفين الذين لا يشكل منتوجهم الابداعي اي علاقة بالواقع الفلسطيني بل يغلب على أعمالهم "الهلوسة الحداثية والمفاهيمية والمعاصرة"، يبدو الجمهور غير معني بهذه الاعمال ولا يتفاعل معها، وان تواصل معها- مجاملة- فهي لا تشبهه لا من قريب ولا من بعيد.
قد يكون من حسن حظ الجمهور أن تلك الأعمال محصورة في مناطق ومجموعات "شلل"محددة، وهؤلاء القلة يمثلون فلسطين في المحافل الثقافية العربية والدولية، ويحصلون على التكريم والجوائز رغم ان غالبيتهم غير معروف واعماله وانتاجه بعيده عن الواقع الفلسطيني ولا يمكن ان تسمى ابداع.. فبطاقة دخول هؤلاء فلسطينيته . وهذا يشكل خيبة امل كبيرة ويتطلب منا التصدي لهذه الظاهرة لانها مسؤوليتنا جميعا.
هؤلاء القلة لم يشكلوا مشهداً ثقافياً قادرا على تحسس قضايا الناس، والمساهمة في خلق جدل شعبي وجماهيري يستطيع الرقي بحالة الاختلاف في الذائقة، والتنوع في المشهد، ليتحول أغلب الجمهور لقطعان لا ترى إلا اللون الأسود أو الأبيض ولا شيء بينهما. نعم هي مسؤولية المثقف الذي أصبح جل همه حصد الاعتراف الدولي وجوائز المجاملة ونسي جمهوره المحلي، ومشهده الثقافي المنحدر بانحدار المشهد السياسي، نعم الهجوم على طلبة جامعة بيرزيت ليس عملاً فردياً ووحيداً، هو نتاج لتراكم فعل أو لغياب فعل وانتاج يحاكي المحلي والوطني ليحمي الموروث الثقافي من التشكيك والتحريم على أرضية الحلال والحرام والعيب، في الوقت الذي يقوم فيه الاحتلال الصهيوني بسرقة هذا الموروث لتأصيل وشرعنة روايته.
لا نريد أن نعاني في فلسطين ما يعانيه السوري والليبي والتونسي واليمني والعراقي والمصري من هجوم ظواهر التطرف والتخلف الديني والاجتماعي، فيكفينا الارهاب الصهيوني وهجومه على كل مناحي الحياة ورموزها.
فحين تفشل القوى الوطنية في التصدي للاحتلال العسكري، مطلوب منها أن تتصدى للرجعية والظلامية والتخلف، وأن تقدم خطاباً وفعلا يعيد تأصيل المشهد الثقافي ويحرك المثقفين الحقيقيين الذين اختاروا أن يتفرجوا وأن لا يكونوا جزء من المهزلة، ولو فشلت القوى والمكونات العلمانية في ذلك، فما الداع لوجودها؟