جريمة/ قضية/ مسألة عائلة الدوابشة في قرية دوما جنوب نابلس، يجدر أن تثير أسئلة محددة، وإلا فستثير ردود فعل فردية من قبل الشبان الفلسطينيين، تكون نتائجها واسعة فلسطينيا ودوليا، وربما عربياً.
عندما يقع أي اعتداء على أي مواطن ضمن أي شعب أو كيان، فإنّه يسأل المسؤولين الأمنيين والسياسيين: ما هي إجراءاتكم لمنع تكرار الحدث، وللاقتصاص من الجناة؟ وبما أنّ السلطة/ الدولة الفلسطينية لديها وزير داخلية، وقادة أمن وطني، فإنّ المنطقي في حالة الدول والكيانات أن يُسأل هؤلاء: ماذا فعلتم لمنع وقوع الحدث (حرق المستوطنين لبيت جديد هذا الأسبوع لعائلة جديدة مجاورة لبيت عائلة الدوابشة في دوما التي حرق المستوطنون بيتها والعائلة فيها العام الماضي)؟!
يفترض أن يخرج وزير الداخلية ومسؤول الأمن في مؤتمر صحفي بعد اجتماعات أمنية معمقة ومكثفة، للإعلان عن إجراءات الحماية والملاحقة للجناة. أما الدبلوماسيون، فتكون مهمتهم متممة للجهد الأمني، وليس هو الأساس كما في الحالة الفلسطينية؛ إذ إن الدبلوماسية في حالة الاعتداء الخارجي على دولة ما أو شعب معين، تتحول إلى جزءٍ من خطة أمنية وليس محور الفعل، لأنّ الدبلوماسية وحدها في زمن الحرب والهجوم لا تجدي.
الجواب المتوقع من المسؤولين سيكون أنّ الفلسطينيين تحت الاحتلال، ولا يمكن العمل بنفس طريقة الدول. وهذا لن يلغي السؤال: هل هناك جهاز أمني مهمته فقط حفظ الأمن الداخلي في دولة ما، من دون الحماية ضد العدو الخارجي؟
مع الافتراض جدلاً أنّ هناك معادلة ما تجعل هذه الأسئلة بخصوص دور الأجهزة الأمنية ووزير الداخلية الفلسطينية ليست ذات صلة، وليست منطقية، فإنّ السؤال يصبح: أين الفصيل القائد، شبه الرسمي؟
قال محافظ مدينة نابلس أكرم الرجوب، أثناء تفقده المنزل الذي حرق: إن "إحراق منزل الشاهد الوحيد على جريمة إحراق عائلة الدوابشة هو رسالة ترهيب لشعبنا". وأضاف: "هذه رسالة للمواطنين الفلسطينيين جميعاً، تتمثل بأن كل الأعمال التي يقوم بها المستوطنون تتم تحت حماية قوات الاحتلال". واعتبر أن موضوع لجان الحراسة الليلية (التي يوجدها الأهالي للحماية عادة من المستوطنين)، هو "إجراء ميداني يتخذه أهل المنطقة"، مشددا على ضرورة إعادة النظر فيه وتفعيله من جديد، وذلك تجنبا لأي جريمة أخرى من قبل المستوطنين. وقال: "لا بد من إجراءات جديدة. وسيكون هناك تواصل مع المجتمع المدني، كما أنه سيتم تفعيل الإجراءات الوقائية لحماية المواطنين من هذه الأفعال".
من واقع اتصالي الشخصي مع محافظين ومسؤولين أمنيين فلسطينيين سابقين وحاليين، أدرك حالة الشعور بالحيرة التي تسيطر عليهم. لكن هذا التصور للمحافظ (وهو يذكرني بحديث محافظ آخر سابق لنابلس ذاتها، وجهه قبل سنوات لأهالي قرية تعرضت لهجمات مستوطنين، بالحديث عن دورهم في المواجهة)، لا يوجد فيه ما يشير إلى أي سيناريو تقوم فيه أجهزة الأمن الفلسطينية بحماية الفلسطينيين من المستوطنين باستخدام القوة، هذا فضلا عن الحماية من الجيش الإسرائيلي.
رغم صعوبة تقبل هذا الموقف، يصبح السؤال: لماذا لا تقوم "السلطة"، أو حركة "فتح"باعتبارها الأكبر والأكثر علانية ووضوحاً وتداخلاً مع "السلطة"وإمكاناتها، بتنظيم ورعاية لجان الحراسة المشار إليها؟ خاصة أن أي تنظيم حقيقي للجان من هذا النوع، من دون تفعيل الأجهزة الفلسطينية وتفاهم معها، سيتم النظر إليه من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية على أنه ازدواجية قانونية وسياسية مقلقة.
مع هذا التعريف لأطراف العلاقة (بأنّهم المستوطنون، وجنود الاحتلال، والمواطنون الفلسطينيون)، ومع إسناد إعلامي ودبلوماسي رسمي فلسطيني من دون إسناد ميداني، فإنّ هذا يوضح جزئياً الهبّة الفلسطينية الحالية، التي تستمر من دون تنسيق مع القيادة الفلسطينية أو الفصائل (حتى وإن كان عناصر الهبّة منتمين للفصائل)؛ فلا توجد آلية رسمية أو فصائلية لحماية الفلسطينيين ميدانياً، لذا يتولون أمرهم بأنفسهم. ويوضح هذا التعريف أنّ وضع "السلطة"الحالي لا يمكن أن يستمر، وأنّ ما يعلن من رسالة فلسطينية رسمية وجهت مطلع هذا الشهر للاحتلال، مفادها أن "السلطة"لن تلتزم بالاتفاقيات إذا لم تلتزم بها إسرائيل، ليست فقط ضرورية، ولكنها غير كافية، فالشعب ينتظر من قيادته أن تحميه وليس فقط أن تسمح له بأن يحمي نفسه.
الثلاثاء, 22 آذار (مارس), 2016
مقالات