انفجار شاطئ غزة والذي راح ضحيته 6 أشخاص خمسة منهم من كتائب القسام كان بمثابة الشرارة الذي زادت لهيب الانقسام اشتعالا، وأدى الى اتهامات من "حماس"بأن فلول التيار الانقلابي الخياني في حركة فتح هي التي نفذت جريمة الاغتيال، ثم شنت الحكومة المقالة حملة شعواء ضد أعضاء وأنصار "فتح"وصلت الى حد اعتقال المئات وشملت اقتحام ونهب وإغلاق عشرات المكاتب والمؤسسات والمنظمات الأهلية فيما وُصف بأنه عملية اجتثاث لـ "فتح"من قطاع غزة تشبه عملية اجتثاث البعث في العراق. كما أدى انفجار غزة الى اتهامات ألقتها "فتح"والسلطة على "حماس"عبر تحميل الصراع الداخلي في "حماس"المسؤولية عن الاغتيال البشع، وشنت السلطة حملة اعتقالات ضد أعضاء ومناصري "حماس"في الضفة شملت اكثر من 120 شخصاً حتى الآن .
وكان من تداعيات انفجار الشاطئ انهيار الهدنة الإعلامية وعودة التحريض المتبادل ثم نسيان الاحتلال كليا، حتى لوبوصفه مجرد احتمال من ضمن عدة احتمالات. دائما عندما تقع جريمة، يقوم المحققون بطرح سؤال هو: من هوالمستفيد من الجريمة؟ ويبدأ حل لغز الجريمة على طريق الإجابة عن هذا السؤال. ولا احد يستطيع أن ينكر أن الاحتلال هوالمستفيد الأول والأكبر من هذه الجريمة، وذلك أولاً لأن الضحايا من كتائب عز الدين القسام وهم مستهدفون من قوات الاحتلال لدرجة أن محاولة اختطاف لأحدهم قد تمت في خان يونس منذ عدة اشهر فقط. وثانياً لأن الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني يحقق مصلحة كبرى لإسرائيل ويعطيها مزايا ضخمة لم تكن تحلم بالحصول عليها، بل لا نبالغ بالقول إن اسرائيل لو خططت لإيجاد وضع تستفيد منه أقصى استفادة لما استطاعت أن تحصل على وضع مثالي مثل الوضع الحالي، حين يتقاتل الأشقاء وتمضي اسرائيل في تنفيذ مخططاتها التوسعية والعنصرية والاستيطانية الرامية لإيجاد أمر واقع يجعل الحل الإسرائيلي هوالحل الوحيد المطروح والممكن عملياً. فالفلسطينيون بانقسامهم وانشغالهم بعملية التدمير الذاتي لقواهم وقضيتهم يعفون اسرائيل من مسؤولياتها والتزاماتها، ويثبتون للعالم بأنهم غير جديرين بحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. المفترض وقف هذا الجنون والتدهور المتسارع، والذي يسير بنا بمعدلات هائلة نحوالكارثة الوطنية. إن الأحداث المؤسفة في غزة تدق مرة أخرى ناقوس الخطر وتشير الى أين يمكن أن تصل بنا الأمور إذا استمر الانقسام. فلن تبقى الأمور عند حدود سلطة في رام الله وأخرى في غزة، تتباريان لتقدم كل منهما نموذجاً من الأمن والازدهار والحريات، بل ستشتبك الواحدة مع الأخرى حتى تعم الفوضى والدمار والموت ليطال الجميع. رب ضارة نافعة، وإذا توفرت الإرادة المخلصة لفلسطين سنجعل جريمة شاطئ غزة بدلا من أن تكون قفزة نحوالمجهول والفوضى والدمار والموت فاتحة للحوار والوحدة وبداية الفرج. من الطبيعي بدلا من الاتهامات والاتهامات المضادة الاتفاق على تشكيل لجنة تحقيق محايدة والالتزام بنتائج عملها. ولو لم تسارع "حماس"بالقاء المسؤولية على "فتح"أوالسلطة أوتيار في "فتح"وقامت بالتحقيق الموضوعي لما كنا بحاجة الى لجنة تحقيق محايدة، ولكن إدانة المتهم قبل إثبات الجريمة، وأن يكون الضحية هوالقاضي والجلاد معا يجعل مسألة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة أمراً لا غنى عنه على الإطلاق. كما أن اتخاذ الجريمة الجبانة ذريعة لشن حملة شعواء في غزة وأخرى اقل في الضفة يدل أن الأجواء محتقنة ومتوترة، وأن القلوب مليانة، وأن شروط الحوار لم تنضج بعد.رغم أن كل الأطراف مأزومة ولا تمتلك مخرجا ولا بديلا عن الوضع المأساوي الذي أصبح الجميع يعيش فيه. نصرخ بالصوت العالي بإدانة أي مساس بالحريات العامة والخاصة وأي انتهاك لحقوق الإنسان والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وضد إشاعة قانون الغاب بدلا من سيادة القانون واحترام التعددية وفصل السلطات وضد الدوس على كل المحرمات بما فيها حرمة البيوت والجامعات والمؤسسات والمساجد، فلا يمكن اعتقال ابن "فتح"لأن تياراً في "فتح"يمكن أن يكون هو من ارتكب هذه الجريمة الجبانة. حتى لو سلمنا جدلا بان هذا التيار المقصود هوالذي ارتكب هذا الفعل الشائن، فهذا لا يعطي لـ "حماس"أوالحكومة المقالة الحق باعتقال أعضاء وأنصار "فتح"في القطاع ومداهمة الجمعيات المحسوبة أو يعتقد أنها محسوبة على حركة فتح، فكما قال تعالى: "لا تزر وازرة وزر أخرى""ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذره شراً يره"كما لا تبرر حملة "حماس"الجماعية ضد "فتح"في غزة ، حملة أخرى اصغر في الضفة. فالطرف المسؤول والذي على حق أويعتقد انه على حق عليه مسؤولية أكبر للبرهنة على جدارته بتقديم نموذج أفضل في العمل واحترام التعددية والحقوق والحريات. أما أن نتنافس معا لإثبات من هو الأكثر همجية وقمعية فهذا وصفة مؤكدة للاستمرار في عملية التدمير الذاتي الجماعي. وإذا كانت "حماس"جادة في دعوتها للحوار بلا شروط عليها أن تقبل دعوة الرئيس ابومازن للحوار غير المشروط التي أعلن عنها بعد لقائه بالرئيس حسني مبارك بدلا من الرفض والاكتفاء بالقول أنها محاولة لصرف الأنظار عن مسؤولية "فتح"عن جريمة الاغتيال، وإذا كانت دعوة الرئيس للحوار تكتيكية ينفضح أمرها أمام الجميع. وإذا كانت جادة تفتح طريق الخلاص الوطني. كان من المفترض، ولا يزال من المطلوب، أن تضع "حماس""فتح"، وان تضع "فتح""حماس"كل واحدة الأخرى، على المحك لإثبات الجدية او لكشفها أمام الشعب .ام ان تتمترس "حماس"وراء القول ان "فتح"غير جادة، وان الرئيس خاضع للفيتو الأمريكي الإسرائيلي على الحوار الفلسطيني، وان تتمترس "فتح"بان "حماس"، لا تريد الحوار خضوعا للمحور الإيراني ــ السوري ولأنها تريد الاحتفاظ بالسلطة في غزة وتحويلها الى امارة إسلامية، فهذا وذاك لا يجعل احدا افضل نوعياً من الآخر. الذي يريد الحوار فعلا، والذي يريد الوحدة فعلا عليه ان يثبت ذلك في الأقوال والأفعال، وبتقديم المبادرات المستمرة ولو من طرف واحد . وهذا من شأنه ان يحرج الطرف الآخر ويدفعه للتجاوب أويكشفه امام الشعب والعالم كله وهذا يضعفه ويجعل بالامكان التغلب عليه بطرق سلمية أوبطرق نتمنى ان لا تصل الى وضع يحتم الوصول اليها. ان الانقسام مدمر للقضية الفلسطينية وللمشروع الوطني وللإنسان الفلسطيني، والوحدة وحدها قادرة على شق طريق دحر الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال. فهل نتعظ قبل فوات الأوان ؟