Quantcast
Channel: المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية - مسارات
Viewing all 878 articles
Browse latest View live

انهيـــــار الســـلطة

$
0
0
الثلاثاء, 8 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

 

غداة زيارة جون كيري الفاشلة جرّاء رفض نتنياهو إعطاء الفلسطينيين أي شيء قبل وقف "الانتفاضة"كليًا، لأن إعطاءهم أي شيء في ظل استمرارها مكافأة للإرهاب؛ اجتمعت الحكومة الإسرائيلية على مدار ساعات طويلة خلال اجتماعين عقدا في يومين متتاليين للبحث في "سيناريو انهيار السلطة"، حيث انقسمت الآراء بين الوزراء بين: فريق، من ضمنه نتنياهو وجيش الاحتلال وأجهزة الأمن، اعتبر أن انهيار السلطة خيار سيئ لإسرائيل، ولكن انهيارها أسوأ؛ وفريق يرى بأن انهيارها يخدم إسرائيل.

سبب البحث في "سيناريو انهيار السلطة"ليس الخوف من إقدام الرئيس أو القيادة على حلها وتسليم مفاتيحها، كما يجري التهديد منذ سنوات، حيث اعتُبر مثل هذا الاحتمال مستبعدًا تمامًا، وإنما في الهوة المتزايدة بين الشعب والقيادة الفلسطينية، وفي ظل الأحوال الاقتصادية، وفقدان الأفق السياسي، واندلاع "الانتفاضة"وتداعياتها المُحتملة.

الشيء بالشيء يذكر، حيث قال كيري بأنه لم يكن صاحب فكرة الزيارة، وإنما كلّفه الرئيس أوباما بها لتحقيق هدفين: التهدئة، ومنع انهيار السلطة.

في ورشة عمل عقدها مركز مسارات للبحث في انهيار السلطة، تنوعت الآراء وتباينت بين من اعتبر أن انهيار السلطة مرجح، وأنّ مقدماته قد تحققت من خلال أن السلطة قد أصبحت بلا سلطة، خصوصًا بعد اقتحام قوات الاحتلال لمناطق السلطة المصنفة (أ) منذ العام 2002، إذ أصبحت منذ ذلك التاريخ تقوم باقتحام أي منطقة، بما في ذلك المربع الأمني الذي يحتوي على مقرّ الرئيس وبيته ومقر رئيس الحكومة، وتعتقل من تشاء وتفعل ما تشاء، بما في ذلك الاغتيال، وهدم المنازل، ونصب الحواجز، وإغلاق إذاعات، ومصادرة حافلات. كما أن الإدارة المدنية التابعة للاحتلال استرجعت الكثير من صلاحياتها، بالإضافة إلى قطع شوط كبير على طريق خلق واقع احتلالي استيطاني عنصري، يجعل الحل الإسرائيلي التوسعي شيئًا فشيئًا هو الخيار الوحيد الممكن والمطروح عمليًا، وذلك في ظل عودة إسرائيل باتجاهاتها المركزية إلى إحياء هدف إقامة "إسرائيل الكبرى"على مساحة فلسطين، ورفض متزايد لإقامة دولة فلسطينية.

يدلل أصحاب وجهة النظر القائلة بانهيار السلطة أو أنها على وشك الانهيار على رأيهم بأن "الانتفاضة"الحاليّة اندلعت واستمرت من دون معرفة السلطة والقيادة، ومن دون قدرتها على وقفها، وهذا يفقد السلطة المبرر الإسرائيلي لوجودها واستمرارها، وهو القيام بدور وظيفي يتمثل في المساهمة في توفير الأمن للاحتلال، من خلال إدانة ومنع وملاحقة المقاومة والمقاومين.

وتظهر حجتهم من خلال قولهم بأن مبرر قيام السلطة أنها جاءت كجزء من عملية سياسية تهدف خلال جدول زمني معين إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وقد تم تجاوز الفترة المحددة بأضعاف عدة، وانتهت ما سمي "عملية سلام"من دون تحقق هذا الهدف، ما ينفي مبرر استمرار السلطة، خصوصًا بعد انقسام السلطة إلى سلطتين، وبعد أن عجزت، أو رفضت، مكونات السلطة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتعطل السلطات والمؤسسات، واختزالها في السلطة التنفيذية التي يتحكم فيها شخص واحد، إضافة إلى تغلغل الفساد، وسوء الإدارة، وتراجع الخدمات الصحية والتعليمية، وعجز الموازنة؛ كل ذلك أدّى إلى أنّ قطاعات متزايدة من الفلسطينيين، يمكن أن تكون قد وصلت إلى أغلبية، لم تعد تنظر أو تعترف أو توافق على وجود السلطة أو استمرارها.

هناك وجهة نظر أخرى، ترى أن السلطة أصبحت سلطة عميقة، وأنها تستمد مبرر وجودها واستمرارها من المنظمة التي لا تزال تمثل الشرعية والمرجعية الفلسطينية، بالرغم من الشلل الذي أصابها منذ توقيع "اتفاق أوسلو"، ومن الدعم الذي تتلقاه من "فتح"، كبرى الفصائل، ومن بقية فصائل منظمة التحرير (حتى "حماس"لا تدعو إلى حل أو السلطة انهيارها)، وكذلك من القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التي أصبحت أجهزة جديدة بعد إعادة بنائها بعد الانتفاضة الثانية، بحيث باتت مستعدة لتنفيذ إرادة القيادة السياسية، حتى لو كانت ضد المصلحة الوطنية والإرادة الشعبية، ومن دعم رأس المال الذي زاد ثروة ونفوذًا، ومن قطاع كبير من المستفيدين من الموظفين وغيرهم من الذين سيدافعون عن وجود السلطة، خصوصا إذا لم يتوفر لهم البديل الأفضل، أو القادر على توظيف مصدر للعيش.

كما أن ما توفره السلطة من خدمات ورواتب وفق نموذج دول العالم الثالث يمدّ السلطة بأسباب الحياة، ويحول دون انهيارها خطر وقوع الفوضى والفلتان الأمني، وخطر نشوء سلطات يتزعمها أمراء حرب يتصارعون فيما بينهم في كل حي وبلدة ومخيم وقرية ومدينة.

يضاف إلى كل ما سبق توفر عوامل فلسطينية وإسرائيلية وعربية وإقليمية ودولية تدعم استمرار السلطة، ولن تسمح بانهيارها ما دامت تقوم بوظائفها، وتسهم في وجود نوع من الاستقرار، وفي خفض مستوى التوتر؛ بدليل أن السلطة كلما شارفت على الانهيار يتم حقنها بإبر تمد في عمرها، لدرجة يتم دائمًا التلويح بأن هناك مبادرة جديدة لإحياء العملية السياسية قادمة أو تلوح في الأفق، وذلك من أجل إبقاء الوهم ومنع اعتماد خيارات وبدائل أخرى.

وما يبقي السلطة أن إسرائيل لا تفضل أن تتحمل المسؤولية عن الاحتلال، لذلك لاحظنا أنها اتخذت سياسة تبقي السلطة ضعيفة إلى حد أعجز من رفض تطبيق ما تريده إسرائيل، ولكن دون دفعها إلى الانهيار، بحيث تبقيها على حافة الانهيار.

إن القوى والدول الداعمة للسلطة ما دامت تدرك أن عواقب انهيار السلطة أسوأ من مخاطر بقائها فستستمر في دعمها، لذلك نلاحظ أنه بالرغم من تقليل المساعدات للسلطة والعقوبات الأميركية والإسرائيلية عليها؛ إلا أن الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية تسارعان إلى توفير أسباب بقاء السلطة إذا بدا أنها على وشك الانهيار، من خلال إعادة تحويل المساعدات والعوائد الجمركية، وإقناع الدول المانحة باستئناف تمويل السلطة، إضافة إلى تقديم تسهيلات إسرائيلية لتخفيف وطأة الحياة، مثل تصاريح العمل في إسرائيل وغيرها.

ويجادل أصحاب وجهة النظر التي تستبعد انهيار السلطة بأنها من خلال استمرار التنسيق الأمني تلعب دورًا مهمًا لا غنى عنه بالرغم من اندلاع "الانتفاضة"واستمرارها من دون تحكم من السلطة، وذلك من خلال ما تداولته مصادر إسرائيلية من قيام اجهزة السلطة بمنع وقوع 100 عملية منذ اندلاع "الانتفاضة"، وهناك مصادر فلسطينية تتحدث عن منع 300 عملية. والأهم أن السلطة لا تزال تُمارس الحكم في مناطقها، ولو في أضيق الحدود، فهي تعتقل كل من تعتقد أنه يهددها، أو يخطط لتنفيذ عمليات مقاومة مسلحة، وتبذل جهدها لمنع انتشار "الانتفاضة". كما أنها لا تضع ثقلها وراء "الانتفاضة"وتمنع أفراد الأجهزة الأمنية من الانخراط فيها.

لو قررت القيادة والسلطة توفير الحماية والروافع "للانتفاضة"، وشاركت فيها مثلما حدث في الانتفاضة الثانية؛ عندها ستتحول إلى انتفاضة شاملة، وسيبرز ويتصاعد احتمال انهيار السلطة، بل إن أهم الأسباب التي تحوْل دون تحوّل الموجة الانتفاضية إلى انتفاضة شعبية شاملة أن السلطة لا تريد ذلك، ولعل ما جرى في جامعة خضوري، وقبلها في جامعة النجاح، ومن محاولات جس نبض لمنع اندلاع المواجهات في مناطق التماس والمواجهة في المدن مؤشر بالغ الدلالة على أهمية ما تقوم به السلطة.

لو قامت أجهزة السلطة بقمع التحرك الشعبي مثلما كانت تفعل سابقًا يمكن أن ترتد الانتفاضة على السلطة، وفي هذه الحالة يمكن أن تنهار السلطة.

حل السلطة أو انهيارها ليس خيارًا للفلسطينيين، لأن تقديم الخدمات والإدارة من جهات فلسطينية مسؤولية وطنية، ولكن شرط إعادة النظر في طبيعة السلطة وشكلها ووظائفها والتزاماتها، بحيث تصبح أداة بيد منظمة التحرير، التي لا بد من إعادة بناء مؤسساتها على أسس جديدة، بحيث تضم مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، وتحل محل السلطة إذا انهارت، أو إذا قام الاحتلال بحلها، أي تصبح في هذه الحالة سلطة مقاومة، أو مجاورة للمقاومة، أي سلطة تخدم البرنامج الوطني. نعم، هذا سيؤدي - إن حدث - إلى اتساع المواجهة للاحتلال، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار السلطة، وهذا طبيعي، لأن المواجهة يفرضها الاحتلال، وهي مطلوبة للوصول إلى وضع يصبح فيه الاحتلال مكلفًا لإسرائيل ومن يدعمها.

إن حدوث تطورات دراماتيكية، مثل مجزرة إرهابية إسرائيلية، أو تغيير جوهري في وضع ومكانة الأقصى الشريف، أو عملية استشهادية تؤدي إلى عدد كبير من القتلى في صفوف الإسرائيليين، أو وفاة الرئيس أو استقالته قبل الاتفاق على الخلافة، أو تغيير السياسة الفلسطينية الحاليّة من المناوشة إلى المجابهة للاحتلال؛ كل هذه التطورات أو بعضها قد تؤدي إلى انهيار السلطة، مع ملاحظة أن انهيارها في الضفة لا يعني انهيارها في غزة، لأن انسحاب القوات الاحتلالية من داخل القطاع ومحاصرته من الخارج تجعل من الظروف مختلفة بين الضفة والقطاع، بحيث من المرجح أن تبقى السلطة في غزة حتى لو انهارت في الضفة.

Hanimasri267@hotmail.com

 

مقالات

LONG HOURS

$
0
0
الخميس, 10 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

 

“Shortly after [U.S. Secretary of State] John Kerry’s visit, which failed because Netanyahu refused to give anything to the Palestinians before the intifada ceases completely (because giving them anything while it continues would be to reward terrorism), the Israeli government met for many long hours in two meetings,” notes Hani al-Masri in the leading Palestinian daily al-Ayyam.

The meetings discussed the scenario of the ‘PA’s collapse’. The ministers were divided in their opinions: One camp that includes Netanyahu, the occupation army, and the security agencies – deemed the PA’s collapse as a bad option for Israel; and another camp argued that it would serve Israel’s interests.

The debate over this scenario does not stem from fear that the PA president or the Palestinian leadership would disband the PA and hand over its keys as they have been threatening for years. Such a possibility was totally dismissed. The debate stems from the widening gap between the Palestinian people and its leadership against the background of the dire economic conditions, the absence of any political horizon, and the outbreak of the current intifada and its possible consequences.

In fact, Kerry said that it was not his idea to visit, but that President Obama asked him to do so in order to achieve two aims: a tahdi’a [lull or calming down] and preventing the PA’s collapse.

At a recent workshop held by the Palestinian Center for Policy Research and Strategic Studies (Masarat) there were also various opinions and disagreements. Some argued the PA’s collapse is likely, and that the first signs are already there as a result of the PA turning into an Authority that lacks any authority, especially after the occupation forces have stormed the PA’s areas classified as Area-A, since 2002. Since that date, these forces have been forcefully entering any area they wish, including the security compound that contains the Palestinian president and PM’s headquarters, arresting whomever and doing whatever they wish. This includes assassinations, demolishing homes, setting up checkpoints, closing down radio stations, and confiscating public vehicles.

Moreover, the occupation’s civil administration has regained many of its powers, and much ground has been covered on the path towards creating a new racist, settler occupation reality, gradually rendering Israel’s expansionist solution as the sole possible practical option. And all this is occurring in the shadow of Israel’s return to its central aim of establishing ‘Greater Israel’ over all of Palestine, and against the background of a growing opposition to the establishment of a Palestinian state.

Those who say that the PA has either already collapsed or is on its way to doing so justify their view by pointing to the fact that the current intifada has erupted and been sustained without the PA and the Palestinian leadership’s knowledge, and without their ability to stop it. This means that Israel’s justification for the PA’s existence and persistence – namely, to play a functional role of contributing to the occupation’s security by sentencing, preventing and pursuing the resistance and its fighters – has disappeared.

Their argument is that the rationale behind the PA’s establishment was that it was part of a political process that aimed to end the occupation and establish the Palestinian state within a specified timeframe. That timeframe has expired many times over, and the so-called ‘peace process’ has ended without achieving that goal. And this undermines the raison d’etre for the PA’s continued survival, especially now that it has split into two [Gaza/Ramallah] Authorities, and after the PA’s constituent elements have proven unable, or have simply refused, to hold presidential and legislative elections, and the various bodies and institutions have been reduced to the executive power held by a single person [President Abbas] instead.

And this is in addition to the spreading corruption, the mismanagement, and the deterioration of health and educational services – all of which have led to a situation in which broad sectors of the Palestinians, perhaps the majority, no longer recognize or accept the PA’s existence and its persistence.

There is another point of view that views the PA as having turned into a ‘deep authority,’ deriving the justification for its continued existence from the PLO, which still represents Palestinian legitimacy and source of authority – despite the paralysis that has afflicted it since signing the [1993] Oslo Accord. It also derives this justification from the backing it receives from Fateh, the largest Palestinian faction, and from the rest of the PLO factions. (Even Hamas is not calling for the disbandment for the PA or declaring its collapse.)

It derives that legitimacy as well from the repression practiced by its security agencies that have been reconstituted ever since the second intifada, and are now ready to implement the will of the political leadership. And, finally, it derives this legitimacy from the backing of [Palestinian] capital, which has grown wealthier and more influential, and from the large sector of beneficiaries – employees and others – who will defend the PA’s existence, especially if no alternative is on offer, or one that is able to provide them with a source of livelihood.

Moreover, what the PA provides in terms of services and salaries is based on a model that is rampant in the case of Third World states and that prolongs its life. The threat of anarchy and security breakdown, as well as the danger that other authorities may arise led by local warlords who are at war with each other in every neighborhood, town, village and city, also prevents the PA’s collapse.

In addition there are other Palestinian, Israeli, Arab, regional, and international factors that support the PA’s continued survival, and will not permit its collapse as long as it fulfills its functions and contributes to preserving a semblance of stability and reducing the level of tension. This is evident from the fact that, whenever the PA is about to collapse, it is injected with a dose of medication that prolongs its life, so much so that there are always hints that there is a new initiative on its way or looming on the horizon to revive the political process – all in order to keep the illusion alive and block other options and alternatives.

What also keeps the PA alive is the fact that Israel prefers not to assume responsibility for the occupation. This is why, as we have noted, it has adopted a policy that ensures that the PA remains too weak to reject what Israel wants it to implement, but without driving it towards total collapse. In other words, it keeps it always tottering on the edge.

The forces and states that support the PA as long as the consequences of its collapse are worse than the dangers of its continued survival will continue to support it. Therefore, despite reducing the aid extended to the PA, and despite the American and Israeli sanctions, we notice that the U.S. administration and the Israeli government always rush to provide the PA with what it needs to remain alive whenever it seems to be about to fall apart. They do this by again transferring aid and tax revenues, and by convincing the donor states to resume financing the PA, as well as by means of Israeli actions meant to reduce the hardships of daily life – e.g., by issuing work permits in Israel and other means.

Those who maintain that the PA is unlikely to collapse argue that because of the continued security coordination with Israel, the PA plays an important and irreplaceable role, despite the outbreak of the intifada and its persistence without the PA being able to control it. Israeli sources have reported that the PA’s agencies have prevented 100 attacks since the intifada began, while Palestinian sources speak of preventing 300 attacks.

More importantly, the PA still rules in the areas under its control, if only within the strictest of limits. It arrests anyone it considers to be a threat to it or is planning to carry out armed resistance attacks. And it is trying hard to prevent the intifada from spreading. Moreover, it has not thrown its weight behind the uprising and is banning members of the security forces from joining in it.

Were the PA to provide protection and leverage for the intifada, and participate in it as happened in the case of the second [2000] intifada, the current uprising would develop into an all-out intifada. In that case, the likelihood of the PA’s collapse would increase. In fact, one of the most important reasons preventing the current wave from developing into an all-out popular intifada is that the PA does not want this to happen. Perhaps what happened at Khadouri University and Najah University before that, namely, the attempts to ‘take the pulse’ in order to prevent confrontations along the lines of contact and confrontations in the cities – is a very significant indication of what the PA is doing.

On the other hand, if the PA’s agencies were to try to repress the popular action, as in the past, the intifada could turn against the PA itself. In that case, the PA could collapse.

Disbanding the PA or its collapse is not the Palestinians’ option, because providing services and administration by Palestinian bodies is a national responsibility. But this is conditional on reconsidering the PA’s nature, shape, functions and commitments, making it a tool in the hands of the PLO, whose institutions must be rebuilt on new foundations. These institutions must include all shades of the Palestinian spectrum and must replace the PA in case it collapses, or if the occupation were to disband it. In other words, the PLO should in that case become a resistance/authority, or an authority that cohabits with resistance – that is to say, an authority that serves the national project.

Yes, should this happen, it would expand the confrontation with the occupation, and that may lead to the PA’s collapse. But this would only be natural, because confrontation is imposed by occupation. In fact, confrontation is necessary if we are to arrive at a situation where occupation becomes costly to Israel and those who back it.

Dramatic developments – such as a terrorist Israeli massacre or a fundamental change in the Aqsa Mosque’s status, or a martyrdom operation that causes many deaths among the Israelis, or the PA president’s demise or resignation before an agreement is reached on his successor, or a change in the current Palestinian policy from skirmishes to confrontation with the occupation it, may all lead to the PA’s collapse.

But we should note here that the PA’s collapse in the West Bank does not mean its collapse in Gaza, because the occupation forces’ withdrawal from the Strip and the siege imposed on it from outside makes the situation in the Strip different from that on the West Bank.

“In such circumstances the PA may survive in Gaza even if it collapses in the West Bank,” concludes Masri.

مقالات

عائشة عودة/ أدب المقاومة: جائزة ابن رشد للفكر الحر 2015

$
0
0
الأحد, 13 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

تحية لمؤسسة «ابن رشد للفكر الحر»؛ التي تواصل نضالها لثبيت قيمة الحرية، في ميادين الفكر كافة، من خلال تسليطها الضوء هذا العام 2015؛ على أوضاع المعتقلين/ات الفلسطينيين والعرب، حيث خصصت جائزتها، لكاتب عربي، أو كاتبة عربية، «أنتج في مجال أدب السجون، ويحفز بإنتاجه المكتوب باللغة العربية، على نقاش عام وواسع حول السجون والقمع وانتهاك الحريات، والكشف عن أوضاع السجناء السياسيين، ويعزز من خلال عمله قيم الحرية والكرامة الإنسانية في العالم العربي».

وتحية لها على منحها الجائزة الأولى هذا العام، 2015، للكاتبة الفلسطينية «عائشة عودة»، عن سيرتها الذاتية بجزأيها: «أحلام بالحرية»، و»ثمناً للشمس»، والجائزة الثانية التقديرية لكل من «مصطفى خليفة» من سورية عن روايته «القوقعة: يوميات متلصص»، و»أحمد المرزوقي» من المغرب عن روايته «تزممارت: الزنزانة رقم 10»؛ لتربط بين القهر والقهر، والحرية والحرية، مهما تنوعت أساليب القهر، وتغيرت صورة الجلاد.  

أما تاريخ تسلم الجائزة؛ فقد حرصت المؤسسة، ومنذ تأسيسها العام 1998؛ أن يكون متوافقاً مع ذكرى وفاة المفكر العربي العقلاني، الفيلسوف ابن رشد، الذي حوكم بتهمة الزندقة، وصدر الحكم الظالم بإدانته وإحراق كتبه، في الطبيعة والفلك والفلسفة، في العاشر من كانون الأول من العام 1198. هذا التاريخ الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في العام 1948.

*****

وبينما تسعى مؤسسة مثل «ابن رشد للفكر الحر» إلى ترسيخ قيم الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، من خلال تخصيصها جائزة تعلي من شأن حرية التعبير والفكر في العالم العربي؛ تنتهك العديد من الأنظمة العربية كرامة الإنسان العربي، من خلال مصادرة الحريات، والاعتقال السياسي، والتعذيب، والمنع من السفر، على امتداد الوطن العربي.

أما دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ فهي تواصل، وبشكل همجي غير مسبوق؛ تكريس منهج الإرهاب والقهر، من خلال سياسة الإعدام الميداني، والقنص، والاعتقال السياسي بشكل عام، واعتقال الأطفال بشكل خاص، واحتجاز جثامين الشهداء، وهدم البيوت، وسياسة العقاب الجماعي، ومصادرة الحريات.

*****

كتبت المناضلة «عائشة عودة» عن تجربة اعتقالها، بعد ثلاثة وثلاثين عاماً، من تاريخ الاعتقال. كتبت وفي وعيها الزمان والمكان والأحداث والشخوص، الذين لا تزال ذكراهم/ن طازجة في ذاكرتها.

ومن خلال البوح؛ لا تؤرخ المناضلة لتجربتها السياسية فحسب؛ بل تؤرخ للتجربة السياسية والاجتماعية والثقافية، لمجموعة من المناضلات والمناضلين الفلسطينيين، في السجون الإسرائيلية.

ويلفتنا وعي «عائشة» بضرورة كتابة تجربتها بقلمها: «وأدركت أن من لا يروي روايته بنفسه، فإنه يسمح لآخرين صياغتها على هواهم»، خاصة حين تذكر أن أحد الأسباب التي دفعتها للكتابة، هو ما يجري من تقليل من شأن تجربة المرأة الفلسطينية في السجون الإسرائيلية، ومن إصدار الأحكام الذكورية ضدها: «صدمت حين وقع بين يدي كتاب لأحد الإخوة، الذين أمضوا فترة طويلة في السجن. وكان قد أصدر كتاباً عن تجربة الاعتقال. وتفاجأت أنه تعرض لتجربتنا، نحن الفتيات، وأوجزها في صفحة تقريباً، كتجربة هزيلة، وبصفتنا لم نتمتع بوعي سياسي، أو تنظيمي، ولم نكن نعرف أولوياتنا!».

على امتداد السيرة؛ نلمس وعياً نسوياً وإنسانياً، لدى «عائشة»، يتحدى السلطة الأبوية بأشكالها كافة، ويؤمن بمبدأ المساواة والعدالة والحق: «ها أنا أقف مع ابن عمي على قدم المساواة، وأتخذ قراراً يعاكس قراره مائة وثمانين درجة». «أصمدي يا عائشة. كوني نموذجاً للصمود. فليس الرجال أكثر صموداً من النساء!». «منذ ذلك الحين سكنني رفض مطلق لمنطق التمييز ذاك. وتحوَّل الرفض إلى معركة دائمة أديرها بصمت وبشكل تلقائي بيني وبين المنطق الذي يجعلني أقل قيمة وأكثر عبئاً من الولد أو الرجل لكوني فتاة.

من خلال ضمير المتكلم؛ تسترجع الكاتبة تجربة الاعتقال، منذ بداياتها، مبيِّنة أنها توقعت الاعتقال، وأخذت قرارها بالمواجهة، على العكس من قرار بعض رفاقها، الذين آثر بعضهم/ن الاختفاء، وآثر بعضهم/ن الهرب إلى الأردن.

ومن خلال تجربتها، وذكرياتها عن الماضي البعيد؛ يتعرَّف القراء إلى قصص إنسانية عديدة، فيها المعاناة وفيها الصمود. قصة تعذيب المناضلات: «عبلة طه»، و»رسمية عودة»، و»مريم الشخشير»، و»بشير الخيري»، وإبعاد «عبلة طه» إلى الأردن، وقصة صمود «لطفية الحواري»، و»سارة جودة»، أثناء التحقيق. وقصص رفيقات السجن: «حياة عبيدو»، و»ليلى عودة»، و»عزية وزوز»، و»سامية الطويل، و»عائدة وليلى قمري»، و»حنان عسلي»، و»انتصار بسيسو». 

ومن خلال ذكرياتها عن الماضي الأبعد؛ يتعرَّف القراء إلى قصص استقرَّت في الذاكرة، وساهمت في تشكيل وعي صاحبة السيرة. قصة خالتها «عيشة الشلبي»، وزوجها «حسين زيدان»، من دير ياسين، وقصة ابنتهما زينب، وقصة «مريم الطبجي»، وغيرها وغيرها، من القصص التي هزت وجدان الطفلة، وحفرت عميقاً في تلافيف الذاكرة.

تميَّزت السيرة بصدقها، وشفافيتها، وصراحتها؛ ما أكسبها موقعاً متميزاً في فن السيرة الذاتية. كشفت «عائشة» عن معاناتها الجسدية، والنفسية، جرَّاء التعذيب، وعن العوامل التي دفعتها إلى الكشف عن بعض ما تعرف من معلومات، ثم روت قصة تحررها من الإحساس بالذنب، بعد أن قرَّرت أن تصمد، وأن تتحدى، مهما كان الثمن، وأن تحتمل صنوفاً متعددة من التعذيب اللاإنساني: «كان القرار ناصع الوضوح، أخرجني من دائرة الخوف إلى دائرة التحدي. استبسلت، وإرادتي كانت مطلقة، وأصبح لصمودي معنى».

«لا لن يحصلوا على أية تفاصيل مهما صغرت بعد الآن».

من خلال اعتراف المناضلة بنقاط ضعف إنسانية؛ حرَّرت نفسها من عذاب لاحقها طويلاً؛ فتحرَّرت روحها وصفت وانطلقت.

*****

أيا عائشة:

من خلال توثيق ذكرياتك؛ ساهمتِ في إعادة صياغة التاريخ من وجهة نظر النساء.

أضمّ صوتي إلى صوتك، في التأكيد على الأهمية القصوى لتوثيق تجربة الأسرى:

«هذا الاحتفال يفتح نافذة مطلة على العالم لأسرانا البواسل في سجون الاحتلال الصهيوني وكتاباتهم. ويؤكد أن النضال في مواجهة الظلم والعدوان والقمع مهما صَغُرَ، لن يضيعَ سدى. وأن كتابته واجب إنساني».

وأرفع صوتي معك عالياً للمطالبة برفع حكم الإعدام، الذي صدر بحق الشاعر أشرف فياض، والمطالبة بالحرية لأسرى الحرية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأسرى الحرية في السجون العربية.

 

faihaab@gmail.com

www.faihaab.com

مقالات

البرنامج التدريبي: إعداد السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي

$
0
0

 

يضم هذا الكتاب جزءاً من الأوراق البحثية، ومن الفعاليات، التي تضمنتها دورة "السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي"التي نظمها مركز "مسارات"، في مدينة البيرة، منذ مطلع العام 2015، وتضمنت أكثر من خمسة وثلاثين يوماً تدريبياً، بواقع يوم واحد في الأسبوع، يمتد لثماني ساعات تدريب وعمل، فضلاً عن تطبيقات عملية على المادة التدريبية كانت تُجرى أثناء أيام الأسبوع، بما يتخلله ذلك من تواصل ولقاءات ثنائية، أو على شكل مجموعات بين المدربين والمتدربين.

وقد هدفت الدورة التدريبية إلى إعداد وتأهيل عدد من الباحثين والكُتّاب الشباب، الذين تقدموا للدورة بناء على الإعلان الذي جرى نشره في الصحافة، وعبر المؤسسات الأكاديمية والبحثية، وقد جرى اختيار عشرين متدرباً ومتدربة، من أصل نحو مائة شخص تقدموا بطلب الاشتراك في الدورة، وجرى الاختيار بين المتقدمين على أسس تضمن وجود القدرات المطلوبة، فضلاً على التنوع في التخصصات والاهتمامات.

وتضمنت الدورة التدريبية خمسة أجزاء رئيسية، أولها يتعلق بالمهارات الكتابية والبحثية العامة، من مثل كيفية التعامل مع مصادر المعلومات، والحصول عليها بطريقة منهجية سليمة، وتقييمها وتوثيقها، فضلاً عن توظيفها في البحث.  ثم كان هناك جزءٌ ثانٍ يتعلق بكتابة كل من تقدير الموقف وورقة الموقف وتحليل الوضع والتمييز بينها، وتقدير الموقف، تحديداً تقدير الوضع الراهن، واتجاهات المستقبل الممكنة في قضية راهنة، أما ورقة الموقف فتعبر عن موقف سياساتي لجهة أو إطار ما، بينما يختص تحليل الوضع الذي يعني بتحليل موسع نسبيا، لمعطيات ووضع قطاع ما، أو قضية ما.

الكتاب بصيغة PDF

ملف الإصدار: 

أسئلة المشروع الوطني

$
0
0
الثلاثاء, 15 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

 

بعد نحو سبعة عقود على النكبة و51 عامًا على انطلاقة الثورة الفلسطينية، هناك تساؤل محوري مطروح: هل يوجد مشروع وطني فلسطيني؟ كان هذا السؤال وما تفرع منه من عشرات الأسئلة محور ورشة عمل نظّمها مركز مسارات في عمّان على مدار يومين، بمشاركة عشرات المفكرين والسياسيين والأكاديميين والنشطاء من مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني.

ما جعل هذا السؤال مطروحًا أنّ المشروع الوطني الذي انطلق تحت شعاري "التحرير والعودة"، وكانت أداة تجسيده منظمة التحرير الفلسطينية، تمّ تعديله في العام التالي لحرب تشرين/أكتوبر 1973 باعتماد برنامج "النقاط العشر"، الذي يقضي بإقامة سلطة وطنية على أي شبر يتم تحريره، واعُتبر برنامجًا مرحليًا، ليصبح بعد ذلك حلًا نهائيًا من خلال اعتماد برنامج (حق تقرير المصير والعودة والدولة) في العام 1988، وذلك بالترافق مع الموافقة على قرار 242، والتلويح بالاستعداد للاعتراف بإسرائيل الذي تمّ بعد سنوات قليلة بتوقيع "اتفاق أوسلو"، حيث اعترفت فيه منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود، وتعهدت بوقف المقاومة وملاحقة المقاومين من خلال التزامها بالتنسيق الأمني، وبالتبعية الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي كما تجسد في "اتفاقية باريس".

إن "أوسلو"لم يحل شيئًا من القضايا الفلسطينية بالرغم مما أدى إليه من عودة ربع مليون مواطن إلى فلسطين، وما أوحى إليه من إمكانية وقف مشروع إقامة "إسرائيل الكبرى"إلى حين تجاوزته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كما اتضح بعد اغتيال إسحاق رابين، وإحياء هدف إقامة "إسرائيل الكبرى"كما يظهر في سياسة الحكومة الحالية بصورة لا تقبل النقاش. فقد أجلّ هذا الاتفاق الذي يعدّ أكبر من خطأ فادح البت في قضايا الحل النهائي إلى ما بعد خمس سنوات، التي استطالت إلى أكثر من 20 عامًا حتى الآن و"الحبل على الجرار"، وتم الفصل بين الأراضي المحتلة العام 1967 وبين القدس. كما أدى عمليًا إلى تخلي القيادة الفلسطينية عن الشعب الفلسطيني في أراضي 48 وفي الشتات، وفصل بين القضية والأرض والشعب، وقسّم القضية إلى قضايا، والأرض والشعب إلى أقسام، إضافة إلى أنه لم يتضمن اعترافًا إسرائيليًا بأي حق من الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك حقه في إقامة دولة فلسطينية على حدود 67.

وأبدت القيادة الفلسطينية بتوقيعها على أوسلو تلويحًا باستعدادها للمساومة على قضية اللاجئين وحقهم في العودة إذا حصلت على الدولة، ثم أصبح التلويح تصريحًا من خلال الموافقة بعد ذلك على "معايير كلينتون"لحل مشكلة اللاجئين و"مبادرة السلام العربية"، وذلك بالموافقة على حل متفق عليه لقضية اللاجئين، وعلى المعايير الخمسة التي تتضمن: التعويض، والتوطين، وعودة اللاجئين إلى أراضي الدولة الفلسطينية، وتهجير اللاجئين إلى دولة ثالثة، وعودة رمزية لعدد صغير منهم إلى أراضيهم وديارهم التي هُجّروا منها.

كما وافقت القيادة على مبدأ "تبادل الأراضي"الذي مسّ بوحدانية الأراضي المحتلة العام 1967، وأعطى شرعية للاستيطان، وفتح الطريق لاقتراحات من نوع ضم "الكتل الاستيطانية"لإسرائيل، بما في ذلك المقامة في القدس الشرقية، على أساس "ضم الأحياء العربية للدولة الفلسطينية والأحياء اليهودية لإسرائيل".

صحيح إن هذه التنازلات الفلسطينية جاءت في سياق متغيّرات وأوضاع غير مواتية ظهرت بعد "معاهدة السلام"المصرية - الإسرائيلية، وتلاحقت باحتلال العراق للكويت، وانهيار التضامن العربي والاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية، وضرب العراق وحصاره ومن ثم احتلاله، وسيطرة القطب الأميركي على العالم، ونتيجةً لقناعات قيادة ياسر عرفات بأنّ الأمر المحوري هو الحفاظ على العامل الفلسطيني كلاعب أساسي ضمن أية شروط، ولكن هذه العوامل الكبرى الضاغطة لا تعني أنه لم يكن أمام القيادة سوى أن تفعل ما فعلت، على أساس "أن ليس بالإمكان أبدع مما كان"، بل كان بمقدورها أن تبدي مرونة، وحتى أن تساوم على الكثير من الأشياء، ولكن بما لا يمس الحقوق والرواية التاريخية.

لقد وصلت التنازلات إلى حد التنازل عن الرواية التاريخية، عبر تصويت المجلس الوطني على إلغاء الميثاق الوطني، الذي أطلق عليه "تعديل أغلبية موادّه"، ولا يغير من هذه الحقيقة كثيرًا شعور القيادة بالندم بعد ذلك، إلى حد الحديث حاليًا عن تجميد الاعتراف بإسرائيل، وأنّ إلغاء الميثاق لم يحدث، في حين أن المطلوب التراجع عن إلغاء الميثاق من خلال إقرار ميثاق جديد يحفظ الرواية والحقوق التاريخية.

إن ما يفسر التراجع غير الرسمي – حتى الآن - عن إلغاء الميثاق أنّ كل هذه التنازلات لم تؤد إلى إقامة دولة على حدود 67، ولم تحافظ حتى على صلاحيات سلطة الحكم الذاتي التي انتزعت سلطات الاحتلال الكثير منها منذ إعادة الاحتلال المباشر للضفة الغربية في العام 2002 وحتى الآن.

هناك عوامل أخرى ساهمت في حدوث ما حصل، منها صعود حركتي حماس والجهاد الإسلامي من خارج إطار منظمة التحرير، واستمرارهما خارجها رغم اندلاع الانتفاضتين الأولى والثانية، وسقوط وهم تحقيق تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية اعتمادًا على المفاوضات والرهان على الإدارة الأميركية، ما أدى إلى نوع من تعددية الإستراتيجيات والبرامج ومصادر القرار، الأمر الذي صبّ ربحًا صافيًا للاحتلال، وإلى تنافس على القيادة والتمثيل، وارتهان الأطراف الفلسطينية إلى المحاور العربية والإقليمية والدولية، انتهى إلى الانقسام السياسي والجغرافي منذ العام 2007.

ما سبق يفسر لماذا التساؤل: هل يوجد مشروع وطني؟ وإذا وجد: ما هو؟

إنّ المشروع الوطني ينطلق من التمسك بالرواية والحقوق التاريخية والقيم الأساسية وما يجمع الفلسطينيين، ويتضمن الحفاظ وتطوير التعددية والتنوع والتنافس في الإطار الوطني، وتحديد الأهداف المرحلية والبعيدة وأشكال العمل والنضال لتحقيقها. وحول هذه المسائل هناك تباينات فلسطينية كبيرة فاقمها تراجع المركز القيادي، وغياب المؤسسة الوطنية الجامعة؛ لذا نحن بحاجة ماسّة إلى إعادة الاعتبار للمشروع الوطني وتوضيحه وتوفير متطلبات نجاحه.

لقد تعرّض المشروع الوطني إلى مراجعات بعضها غير طبيعي، مثلما أشرنا إليه، وبعضها طبيعي مثلما حصل بعد دخول فصائل الثورة منظمة التحرير عقب هزيمة 67 وإقرار "الميثاق الوطني"بدلًا من "الميثاق القومي"المعتمد منذ تأسيس المنظمة. كما أنّ ما جاء في "وثيقة الاستقلال"تضمن العديد من النقاط والصياغات الجديدة الأكثر تطورًا عمّا كان قائمًا في الميثاقين القومي والوطني، ولكن مسلسل التنازلات تفاقم بعد إطلاق مبادرة السلام الفلسطينية في العام 1988 وما انتهت إليه بعد ذلك.

الآن بعد حصول ما حصل، وفي ظل المتغيّرات العاصفة في إسرائيل والمنطقة والإقليم والعالم كله، وفي مواجهة المخاطر والتحديات الكبرى التي تهدد القضية الفلسطينية بالتصفية، وأمام الفرص التي تلوح في الأفق رغم كل شيء؛ لا بد من وقفة للمراجعة الوطنية الكاملة والعميقة والجريئة، وتحديد أين أخطأنا، وأين أصبنا، وأين نقف الآن، وإلى أين نريد أن نصل، وكيف نحقق ما نريد؟ وقفة لا تستهدف نبش الماضي والعيش فيه، وإنما استشراف المستقبل والتقدم إلى الأمام .

بالرغم من كل الكوارث والأخطاء والخطايا إلا أن لدينا ما يمكن الاعتماد عليه لبداية جديدة، فنحن لدينا شعب يضم أكثر من 12 مليون فلسطيني، نصفهم في الشتات، ونصفهم استقرّوا في أرض وطنهم بالرغم من الأهوال، والجرائم، والتمييز العنصري، والمجازر، والتدمير، والموت، والمعاناة، وهو شعب مصمم - كما ثبت خلال قرن من الزمان كان غنيًا بأكثر من 18 هبة وثورة وانتفاضة - على إبقاء قضيته حيّة، والحفاظ على هويته الوطنية، والدفاع عن وجوده وحقوقه، والنضال لتحقيق أهدافه مهما غلت التضحيات وطال الزمن.

ما يبعث على الأمل رغم كل الإحباطات والهزائم والأخطاء أنّ الهبوط السياسي المريع منذ "اتفاق أوسلو"قابله نهوض ثقافي واسع، عبّرت عنه الأعمال الأدبية المختلفة، كما ظهر في الأفلام والأغاني والفنون الشعبية، والإنجازات الفلسطينية الجماعية والفردية في مختلف الحقول والميادين، حيث عبّر فيها الفلسطيني عن تمسكه بهويته الوطنية، وكما يظهر في المقاومة بمختلف أشكالها الشعبيّة والسلميّة والمسلّحة، وخصوصًا لجان المقاومة الشعبية، وحملة المقاطعة لإسرائيل، ولجان حق العودة، وصمود غزة، وصمود وإنجازات شعبنا في 48، والاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، وفي العديد من البرلمانات الأوروبية، وحملة التضامن الدولية مع القضية الفلسطينية، وملاحقة إسرائيل في المؤسسات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، والتعاون المشترك في المعارك المختلفة بين مختلف تجمعات شعبنا، بما فيها "انتفاضة تشرين"المستمرة للشهر الثالث على التوالي، بحيث تزول الفواصل التي قامت منذ أوسلو ليحلّ محلها مبادرات فكريّة وبحثيّة ونضاليّة واجتماعيّة، وأشكال من التنسيق والتعاون التي تنطلق من وحدة القضية والأرض والشعب .

إنّ هذا النهوض الثقافي يسبق النهوض السياسي الذي يمكن أن يتحقق من خلال إعادة بناء الحركة الوطنية، ومؤسسات منظمة التحرير، والتمثيل، على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة سياسية حقيقية، تتحقق على أساس الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، يأخذ كل الخبرات والمستجدات والحقائق الجديدة، بما فيها وجود أكثر من ستة مليون يهودي على أرض فلسطين التاريخية، وأنّ الصراع ليس معهم كيهود، وإنما مع المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري الذي يجب أن يهزم ويفكك ويحفظ الحقوق التاريخية، ويقدم رسالة إنسانية مفادها أن حركة التحرر الوطني الفلسطيني حركة مناهضة للظلم والاستعمار والظلامية التي تجسدها إسرائيل وأطراف عربية وإسلامية ودولية على امتداد العالم.

Hanimasri267@hotmail.com

مقالات

ملخص تقرير عن المؤتمر السنوي الرابع

$
0
0
الأربعاء, 16 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

عقد المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) مؤتمره السنوي الرابع بعنوان "القضية الفلسطينية والبعد الدولي .. الفرص والمتطلبات الإستراتيجية"، على مدار يومي الخميس والجمعة 15 و16 تشرين الأول/أكتوبر 2015، في قاعات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في البيرة وغزة عبر تقنية الاتصال المرئي "فيديو كونفرنس"، ومع عمان وبيروت عبر تقنية "سكايب"، بحضور أكثر من 500 مشارك، من بينهم أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والمجلسين الوطني والتشريعي، ومسؤولون من القوى السياسية، وممثلون عن مؤسسات قانونية وبحثية وجامعية، إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة وعدد من البلدان الأجنبية.

وقد نُظِّمَ المؤتمر برعاية كل من: شركة اتحاد المقاولين CCC، شركة فلسطين للتنمية، بنك فلسطين، بنك القدس، د. نبيل القدومي، مؤسسة الناشر، مؤسسة منيب رشيد المصري للتنمية، مجموعة منير سختيان، شركة بيت جالا للأدوية، نساء من أجل السلام حول العالم.

وشارك في المؤتمر 45 شخصية سياسية وأكاديمية ودولية وقانونية، في سبع جلسات، قدموا خلالها أوراقًا بحثية ومداخلات.

 

لقراءة التقرير كاملًا ... أو لتحميله بصيغة PDF اضغط/ي على هذا الرابط

ندوات وحلقات نقاش

كل شئ بيد الرئيس

$
0
0
السبت, 21 تشرين الثاني (نوفمبر), 2015

ارهقنا فكرياً من كثرة توصيف أوضاعنا السياسية خلال الأنشطة والمؤتمرات التي ندور بلا توقف في حلقاتها المفرغة، حيث إننا لم نترك شيئاً يمكن أن يقال إلا قلناه، ولم نبخل في الكتابة لكل الجهات العامة والخاصة، ومخاطبة جهات القرار، ولكن لا حياة لمن تنادي.!!الإشكالية - اليوم - هي أن حالتنا السياسية بكل مآزقها ليس لها من حل غير ما يمكن أن يقدمه الرئيس (أبو مازن) من مفاتيح لفك تعقيداتها، فهو الذي يمتلك – وهذه هي الحقيقة -  بيده معظم الأوراق،  كما أن بإمكانه التحرك وطرح المبادرات، وهو القادر - لو أراد - أن يجمع الشمل الفلسطيني، وينهي الانقسام، وتنعقد بشائر المصالحة الحقيقية غداً.. للأسف، لا أحد غيره يمتلك أدوات السحر التي بين يديه.

 السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح: ما الذي يراهن عليه الرئيس أبو مازن لكي يحدث التغيير الذي ينتظره؟ وهل تُرى ذلك يتحقق في الزمن المنظور؟! وهل ما لفخامته من العمر ما يمنح هؤلاء الشباب احتضان ما يتطلعون إليه من طموحات وآمال؟! نعم؛ قد تكون حركة حماس وما بين أيديها من نفوذ وقرار في قطاع غزة تشكل حجر عثرة أمام استعادة الرئيس لسلطته الكاملة في القطاع، ولكن المتابع لمشهد الحكم والسياسية لا يمكنه تحميل حماس مسئولية ما يجري من تردي لحالتنا السياسية، وعجزنا عن النهوض بشعبنا وقضيتنا، والانتصار بالشكل المطلوب لانتفاضة الكرامة والمقدسات. حماس من وجهة نظرها، تقول: إنها قد سلَّمت الحكم للرئيس أبو مازن، والكرة الآن في ملعب الرئيس، وعليه أن يفي بما تعهد من التزامات، وخاصة توجيه مرسوم رئاسي للمجلس التشريعي بالانعقاد، وكذلك الدعوة لعقد الإطار القيادي المؤقت، بهدف فتح النقاش حول أولويات عملنا الوطني، واستكمال ما تمَّ التفاهم عليه في القاهرة من ملفات

للأسف، لم يصدر أي مرسوم من الرئاسة بهذا الشأن، ولا يظهر أن هناك رغبة في ذلك!!وتأسيساً عليه، فإن المعضلة القائمة هي أن الرئيس لا يبدو أنه يريد لكل ذلك أن يحدث، وترك مؤسسات السلطة عاجزة أو شبه مشلولة، وهو الوحيد الذي يتحرك بعجلة السياسة الفلسطينية، الأمر الذي يجعله ضعيفاً أمام دولة الاحتلال، ولا يتمتع بالهيبة والقوة المطلوبة للتعامل مع المجتمع الدولي، ولا حتى مع محيطنا الإقليمي.

 وهذا ما لا نريده له، ولا لقضيتنا.. إننا نتطلع إلى تعزيز مكانته السيادية، ونجاح تحركاته على المستويين الإقليمي والدولي. مبادرات وأفكار وجدليات عبر الأثير!!لم تتوقف اجتهادات فلاسفة الفكر والسياسة عن طرح المبادرة تلو المبادرة، بهدف الخروج من نفق الأزمة المستعصية في العلاقة بين فتح وحماس، ومحاولة الأخذ بيد الوطن نحو الوحدة والاستقرار، ولكن - للأسف - لم تتمخض تلك الجهود عن منافذ وحلول، وإن توصلنا في 23 إبريل 2014م إلى خطوة ناجحة نسبياً لفك الاشتباك، وأقمنا حكومة توافقية برئاسة د. رامي الحمد الله، اعتقدنا بأنها ستنجح في الإقلاع  بنا نحو الانتخابات البرلمانية والشراكة السياسية والتوافق الوطني.. ولكننا وأسفاه، ما زلنا نراوح في نفس المكان، حيث يعيد بعضنا إنتاج هرطقات السياسة، ونقوم بتكرار ما تعودنا عليه من  لغة التلاحي والاتهامات.

للأسف، ومنذ أكثر من ثمان سنوات، ونحن نردد نفس السؤال: يا قوم.. أليس فيكم رجل رشيد؟ وبانتظار أن يأتي رجل من أقصى المدينة يسعى بالحكمة والقنديل، ليأخذ بأيدينا نحو إصلاح البيت، وجمع الصف، وتصويب البوصلة وأعمدة المكان.سأحاول هنا التعريج على بعض المبادرات، بهدف الإشارة إلى أن هناك ما زال من يحاول وينتظر.

  مبادرة خالد مشعل: محاولة لتحريك المياه الراكدةقبل شهرين تقريباً، طرح الأخ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في خطاب متلفز، مبادرة تهدف إلى تحريك الأوضاع باتجاه تعزيز المصالحة الفلسطينية والتوافق الوطني، وقد أصدرت حركة حماس في السابع من سبتمبر الماضي وثيقة سياسية بهذا الخصوص، واعتبرتها بمثابة رؤيتها السياسية للخروج من الأزمة الراهنة في الساحة الفلسطينيّة، والتي دعت إلى "تأجيل عقد اجتماع المجلس الوطني، والانعقاد الفوري للإطار القيادي الموقّت لمنظّمة التّحرير الفلسطينية في أيّ عاصمة عربية، وانعقاد المجلس التشريعي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير شؤون الفلسطينيّين بروح من التوافق، وإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وتعزيز الشراكة بين الفلسطينيّين في إدارة القرار الوطني.

في الرابع من نوفمبر 2015م، أعاد الأخ خالد (أبو الوليد) تأكيد تلك المعاني مرة ثانية، وذلك في لقائه عبر الفيديو كونفرنس من الدوحة مع مجموعة من الإعلاميين والمفكرين والكتَّاب بمنتدى "بيت الصحافة"في غزة، حيث أكد على ما سبق أن جاء في مبادرته السابقة، وأضاف بعض الجوانب التي تتعلق بما يتوجب عمله تجاه الانتفاضة الحالية، مبيناً أن مسؤولية القيادة تتمثل في رسم رؤية مشتركة وأهداف سياسية وطنية محددة لإنجاحها، بحيث تتضمن إحباط مخطط الاحتلال في تقسيم الأقصى، والاتفاق على استراتيجية مشتركة بكل خياراتها تكون ضاغطة على الاحتلال، وتحقق أهداف الانتفاضة.

وفي السياق، جدد تأكيده على أهمية تحقيق الوحدة الوطنية، وإلى ضرورة عقد لقاءات مع القيادة في الضفة، وذلك بغرض معالجة الانقسام وتحقيق المصالحة، مبدياً جاهزية حركة حماس لعقد لقاءات تتعلق بذلك.ودعا كذلك إلى ضرورة تطبيق مصالحة وطنية مبنية على قاعدة الشراكة وليس على قاعدة الإحلال والإبدال، مشدداً على أنه "لا يحق لحماس أن تنفرد بقرار الحرب، ولا للآخرين في القرار السياسي.

مبادرة دحلان: بين القبول والرفض

يوم 13 نوفمبر 2015م، وعبر برنامج "أوراق فلسطينية"؛ للإعلامي سيف الدين شاهين، الذي يبث عبر فضائية (الغد العربي)، تحدث النائب محمد دحلان بنبرة تصالحية، داعياً حركة حماس والرئيس عباس إلى معاودة النظر في كل الأخطاء السابقة، والعمل على إعادة اللحمة الداخلية على أسس وطنية وسياسية ثابتة، والخروج من أحاديث الماضي، والذهاب إلى المستقبل.

وقال: نعم؛ اختلفنا بما يكفي، واختصمنا بما يكفي.. اختلفنا مع حركة حماس بما يكفي، أما آن في ذكرى عرفات أن نعيد الاعتبار، وأن نصحح أخطاء الماضي، وأن نضع الجهد الجماعي والجمعي باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه في القدس وفي غزة وفي الضفة الغربية، ورأى دحلان أنه "لا يوجد خيار آخر غير التسامح، وأن نبني المستقبل بعيداً عن أخطاء الماضي، وبالتالي اليوم هذه المسئولية في يد (أبو مازن) وحماس، (أبو مازن) يستطيع أن يحسم أمر فتح صحيح، لكنه لا يستطيع أن يحسم وحدة الوحدة الوطنية، يحتاج إلى مساعدة، وإلى موقف جريء وجدي من حماس.

صراحة؛ ليس من السهولة تناول مواقف وتصريحات النائب محمد دحلان، بغض النظر عما فيها من إيجابية، فما زال هناك الكثيرون في الشارع الفلسطيني يتحفظون عليه، ولكن من موقع الراصد والمحلل السياسي - وليس الحكم - أقول: هذا كلام يستحق أن نتدبره من أجل الوطن .

وأعيد هنا ما سبق أن أوردته من رد على صفحتي (الفيس بوك)، بالقول: إن تصريحات النائب محمد دحلان، جديرة بالملاحظة والتأمل، ويتوجب أخذها بعين الاعتبار، برغم ما بيننا وبينه من تناقض وخلاف.. حيث إن أي خلاف ومهما بلغ لا يمكن تأبيده، فنحن شعب أرضنا محتلة والتحديات أمامنا كبيرة، وأن الذي سيدفع الثمن هو الوطن؛ بأرضه وأجياله.

وهذه التصريحات من دحلان – اتفقنا أو اختلفنا معه - ربما تفتح الطريق، وتأخذ ساحتنا خطوة في اتجاه اجتماع الشمل، وإذهاب حالة التخبط والتربص والمكر القائمة، والتي أضاعت الكثير من الخير والبركات بين أبناء شعبنا، وجعلتنا شذرَ مذرَ.

وفي سياق هذه التلميحات واللهجة المتعقلة في خطاب دحلان، قد نلمس تحسناً في المقاربات، التي يمكن أن تسمح بالتحرك لبناء رأسٍ للجسر أو خطوة باتجاه بيت القصيد، وهذه التصريحات قد ترضي البعض، وقد لا يرتاح لها البعض الآخر.لم تكن هذه المبادرة هي الأولى من دحلان، فقد سبق له أيضاً تقديم مقاربة قبل شهرين حملت في طياتها أفكاراً إيجابية، ولكن الإشكالية هي أن محمد دحلان له مشكلتان؛ واحدة مع الرئيس أبو مازن، والأخرى مع حماس!! وبالتالي، ليس هناك – الآن - من يرغب في الاستماع إليه.

  أين الفصائل: سؤال برسم الاستغراب؟شكّل خروج الشباب في هبتهم الشعبية الواسعة، وهم متوشحون بالكوفية والعلم الفلسطيني، دونما أثر لملامح الفصائل وراياتها الحزبية صدمة لبعض تلك القيادات التاريخية، وكان إصرار الكثير من هؤلاء الشهداء في وصاياهم بألا يعطوا لدمهم أية إشارات خارج العنوان الوطني الأصيل (فلسطين)، بمثابة لطمة لبعض تلك الوجوه.

كان ملحوظاً غياب تلك القيادات الحزبية عن المشهد، فلا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا.. نعم؛ لقد تعمد الكثير منهم الابتعاد عن ساحات المواجهة مع الاحتلال، بالرغم من سلمية تلك التحركات، لاعتبارات سياسية وأمنية، وإن حاول أحدهم – مشكوراً - الظهور، من خلال المشاركة في بعض المسيرات، لرفع الحرج، وكسب ماء الوجه.

إن المطلوب اليوم من الكل الوطني والإسلامي مراجعة مواقفه، والاتعاظ قبل فوات الأمان، حيث فقد هذا الجيل الثقة في قياداته التاريخية التي أصابته في مقتل يهدد مستقبل حياته وضياع مقدساته وتغييب وطنه.

 هؤلاء الشباب اليوم ينظرون بحسرة وقلق لمن أصابهم بخيبة أمل كبيرة حين عجزوا على تخطي ما بينهم من خلافات سياسية، برغم مأساوية الأوضاع، وتعقيدات المرحلة ومخاطرها على الشعب والقضية.هل يعقل أن نخوض ثلاث مواجهات عسكرية مع الاحتلال ونتعرض لهذا العدوان الذي أخذ شكل الحرب السافرة ولا يحرك سلطتنا أن تتقدم خطوة باتجاه غزة لجبر الكسر ولمِّ الشمل وتطبيب الجراح؟!!وهل من المنطق أن تشتعل هذه الهبة الشعبية ولا نتحرك لشدِّ أزرها بتشكيل قيادة ميدانية أو وطنية، تمنحها المدد وتحفظ زخمها وحيوية قوتها؟!!وهل من السياسة والكياسة أن تظل قياداتنا مشلولة، بالرغم من كل ما تتعرض له من إهانات وتهميش إقليمياً ودولياً، ولا تجنح أو تفكر في مقاربة تمنحنا الهيبة والمكانة وترد لنا عزنا الضائع، وسيفنا القاطع؟!!سنظل نقول لكل قياداتنا في الضفة الغربية وقطاع غزة: تعالوا إلى كلمة سواء لعل الله يفتح بيننا، ويبارك على أوصال شلوٍ ممزع.

ختاماً: هل من رؤية وأمل؟تعودنا ألا نفقد الأمل، وأن هناك مع العسر يسراً، وأن الأوضاع كلما ضاقت حلقاتها فُرجت، وأن أشد ساعات الليل ظلمة تلك التي تسبق الفجر.. دائماً نصحو على أمل جديد، فالهبة الشعبية فاجأتنا في سرعة انتشارها، وقوة تحركها، وطبيعة شبابها، وفتحت لنا باب التفاؤل والرجاء، ومنحتنا فرصة للنهوض وجمع الصف، وطي صفحة الخلاف البغيض، وهؤلاء الشباب كالخيل معقود في نواصيها الخير،  وأمنيات التحرير والعودة.

وفي سياق العزف على لحن الأمل، نأتي بخلاصات الندوة التي عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، بعنوان: "مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني"، بتاريخ 14 نوفمبر 2015م، حيث تحدث د. عزمي بشارة، المفكر العربي والسياسي المخضرم، مشيراً إلى أن الحالة المتردية التي بلغها المشروع الوطني الفلسطيني هي نفسها التي أنشأت نقائض عوامل الضعف وخلقت حراكاً للوطن والقضية إقليمياً ودولياً.. وعدّد.

بشارة النقائض في أربعة عناصر، كانت البداية هي نضوج إجماع دولي غير مسبوق على عدالة قضية فلسطين، بالرغم من تهميشها على الأجندات الدولية التي تقررها الدول العظمى.  والعنصر الثاني الذي يمكن أن يقلب معادلة العجز، ويبعث مشروعًا وطنيًا جديدًا، هو تواصل الشباب الفلسطيني بوسائل مختلفة عابرة لأماكن وجود الشعب الفلسطيني، ولكنه تواصلٌ غيرُ موجه، وينساب خارج أطر حركة وطنية، ولم يصل إلى درجة بناء الأطر والمؤسسات العابرة للحدود بنفسه بعد، وهي المهمة التي ينبغي تحقيقها.

 

والعنصر الثالث، هو الجدوى التي بدأت تبرز لخيار المقاطعة وتأثيره في إسرائيل، وهو خيار يمكن تسويقه على مستوى الرأي العام الديمقراطي في العالم.

 والعنصر الأخير من عناصر التفاؤل بالخروج من وضع العجز، هو ما أثبته انفجار الغضب الفلسطيني - مؤخرًا - بأن جيل ما بعد أوسلو لم يصبح جيلًا متقبلًا لأوضاع ما بعد أوسلو، وما زال يحلم بزوال الاحتلال، ويعتبر الشعب الفلسطيني شعبًا واحدًا، ولم تنطفئ فيه جذوة النضال

 وبمنظور تاريخي، مازالت الاستمرارية التاريخية للقضية الفلسطينيّة العادلة تتجلى في أنه كل جيل فلسطيني يبدع وسائل نضاله، وانتفاضته، ولا يقبل أي جيل فلسطيني أن يمر في هذا العالم مثل سحابة جافة، من دون أن يروي هذه الأرض، ومن دون أن يترك بصمته في رفض الاحتلال على أرض فلسطين.

هذا، وقد شدد المشاركون في تلك الندوة على أهمية أخذ مساهمة الشباب الفلسطيني في صوغ المشروع الوطني الجديد في الحسبان، وتجاوز حالة الانسداد والعجز، بعد أن أثبت الشباب الفلسطيني قدرته على تخطي الأطر المتكلسة للنضال الفلسطيني، واستعاد زمام المبادرة خصوصاً مع الهبة الشعبية التي تعيشها الأراضي المحتلة منذ مطلع أكتوبر الماضي.باختصار: إن هؤلاء الشباب الذين يقودون الهبة الشعبية ويتحركون بها باتجاه الانتفاضة المباركة نصرة للكرامة والمقدسات، مطلوب منهم تنظيم صفوفهم والحفاظ على زمام المبادرة بأيديهم، وأن يؤطروا لهم قيادة ميدانية لترشيد عملهم والأخذ بأيديهم نحو ما نصبوا له جميعاً من تطلعات وأهداف.

الكرة اليوم هي في ملعب الشباب، حيث إن الفصائل تكلَّست وهرمت قياداتها، كما أن منسأة نضالها قد تآكلت، والوطن اليوم بانتظار وجوه قيادية جديدة ودماء عفيَّة، تعيد البسمة لعناوين الجهاد والوطنية، وتأخذ دورها في الانتخابات البلدية والتشريعية والتشكيلات الحكومية القادمة.

مقالات

الاشتباك الميداني مستمر ... لكن

$
0
0
الأربعاء, 16 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

أن يمضي شهران ونصف الشهر على الاشتباك الانتفاضي الميداني، بما يتخلله من أعمال مقاومة شعبية، يعني أن بطش الاحتلال أخفق في إخماده، مثلما فشلت محاولات إجهاضه بـ»حيلة» «التهدئة» التي أطلقها كيري وتبناها كل حلفاء واشنطن من العجم والعرب.

أما أن تنتقل أجهزة الاحتلال الأمنية من تسمية ما تواجهه في الميدان بـ»الموجة العابرة» إلى تسميته «انتفاضة ستستمر» حسب آخر تقديراتها، فيعني إقراراً ضمنياً بأن لا حل أمنياً أو اقتصادياً للاشتباك الميداني، وبأن محركه الأساس هو التطلع للحرية والاستقلال، وليس «سوء الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية».

هذا التقدير الأمني «المهني» يعرفه أركان حكومة الاحتلال الفاشية، (خصوصاً رئيسها نتنياهو ووزير حربها يعالون)، لكنهم لا يريدون الاعتراف به، ذلك ببساطة لأنهم في غير وارد إنهاء الاحتلال، ما يدعوهم للتشبث، عن وعي، بنظرتهم الصهيونية: «العربي يخضع للقوة»، و»تحسين شروط معيشته كفيل بتهدئته»، كنظرة عنصرية استعلائية استشراقية هزها بعنف عنفوان الاشتباك الجاري، وأسقطها الشعب الفلسطيني. كيف لا؟ وهو الذي لم يستسلم لاختلال ميزان القوى على مدار عقود الصراع، بل واصل الكفاح لانتزاع حقوقه، وقدم في سبيلها، طواعية وعن طيب خاطر، نحو 120 ألف شهيد، ونحو ثلاثة أرباع مليون أسير، وأضعافهم من الجرحى، ما يعني أن الاشتباك الجاري إن هو إلا محطة من محطات النضال الوطني الفلسطيني التحرري المديد.

ماذا يعني الكلام أعلاه؟

لقد تمادت سياسات الاحتلال الصهيوني لدرجة الظن بأنه يمكن تبديد اليقظة الوطنية للشعب الفلسطيني، وتفكيك بنيته ونسيجه، وتبديد هويته الوطنية الكفاحية، وصولاً إلى تصفية حقوقه الوطنية والتاريخية، كناظم لكفاحه الميداني على مدار نحو قرن من الزمان.

 أما الولايات المتحدة، راعي مفاوضات مدريد - أوسلو، فقد أمعنت في «لعبة» «الخصم الحكم»، حيث أشاعت، ولا تزال، كذبة أن «واشنطن مع حل الدولتين»، فيما لم تفضِ رعايتها لمسار المفاوضات الذي استمر ربع قرن من الزمان، إلى استقلال وطني ولو على «حدود 67»، ولا حتى إلى وقف التوسع الاستيطاني الذي حوَّل «القدس الشرقية» إلى معازل عربية محاطة بأسيجة يهودية، والضفة إلى عشرات القطع التي تفصلها الشوارع الالتفافية وتحاصرها المستوطنات ويقطع أوصالها جدار الضم والتوسع، وقطاع غزة إلى سجن كبير لتجمع سكاني محاصر ومخنوق تعرض لثلاث حروب في أقل من عقد من الزمن، ويخيم عليه شبح المزيد من حروب الإبادة والتدمير، ناهيك عن استثناء اللاجئين، بما هم أصل القضية وجوهر الصراع، من أي بحث تفاوضي، ومثلهم «فلسطينيو 48» الذين يواجهون اليوم مشروع برافر لتهويد النقب، وما انفكوا يتعرضون لتطهير عرقي مخطط، ولتمييز عنصري مقونن لا يعترف بخصائصهم الجماعية وينكر حقيقة أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني.

بذلك لم يبق أمام الشعب الفلسطيني سوى أن يستعيد زمام المبادرة، وأن يجترح، بالدماء، مساراً انتفاضيا ميدانياً بديلاً، حافظ على استمراريته، ولديه ديناميات تزيح عنه احتمالية الخبو قريباً، اتصالاً بأن محركات شعلته الأولى ما زالت قائمة، بينما تزيدها اشتعالاً دماء الشهداء، (122 شهيداً حتى الآن)، وآلاف الجرحى، ناهيك عن آلاف المعتقلين، وجرائم احتجاز جثامين 50 شهيداً، وفظاعات الإعدام الميداني، ووحشية التمثيل بجثث الشهداء وأجساد الجرحى والتنكيل بالأسرى، والأطفال منهم بالذات، وهدم البيوت، وإغلاق مداخل الكثير من القرى والمخيمات وأحياء بعض المدن.

وكل ذلك من دون أن ننسى أن الجيل الشبابي، (بين 16-26 سنة)، الذي يتصدر الميدان، يزيد اليوم، (في «مناطق 67» وحدها)، على المليون، بينهم 200 ألف طالب وطالبة في الجامعات، وأكثر منهم على مقاعد الدراسة الثانوية، علماً أن هذه الفئة العمرية هي جيل القتال لدى كل الشعوب، وبالتالي، بداهة أن يكون الشباب الفلسطيني، ذكوراً وإناثاً، المؤطر منه وغير المؤطر، هو العنصر الأكثر فعالية في الاشتباك الانتفاضي الجاري، وقبل ذلك في انتفاضتي 87 و2000، بل وفي جميع محطات النضال الوطني الفلسطيني، اتصالاً بما يحمله شباب فلسطين، ككل شباب العالم، من تطلعات وطاقات ومبادرات وأحلام كبيرة واستعداد عالٍ للتضحية، عدا خصوصية انتمائه إلى شعب مكافح يناهز اليوم 13 مليوناً، ويختزن خبرات تجربة نضالية غنية ومديدة، ويستند إلى حقائق تاريخية تؤكد تعرضه لعملية تطهير عرقي بشعة العام 48، ولاحتلال عسكري صاحبه نزوح قسري العام 67، ويتسلح بقرارات دولية تعترف بالحد الأدنى من حقوقه الوطنية والتاريخية العادلة الأصيلة.

 لكن، لا يجوز تبسيط الأمور. فسياسة الاحتلال الهجومية لم تتراجع قيد أنملة، بل وتتخذ طابعاً أكثر فاشية، ما يعني أن ثمة تحديات تواجه الفعل الانتفاضي الميداني، أبرزها القدرة على تجسير الهوة بين «الميداني» و»السياسي»، وامتصاص إجراءات الاحتلال، والحفاظ على الطابع الشعبي للاشتباك، وتوسيعه باستمالة قطاعات جديدة للانخراط فيه، بأشكال مختلفة، منها، (مثلاً)، أن تنظم الفصائل مسيرات مشتركة دورية وحاشدة في الضفة وقطاع غزة، وما أمكن في مناطق 48 والشتات واللجوء، لما لذلك من أبعاد سياسية ومعنوية. فاستمرار الاشتباك الميداني، على أهميته، لا يعني انتقاله، تلقائياً، إلى فاعل سياسي لدحر الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال، كهدف وطني ناظم يعترض سبيله، وسبيل تشكيل قيادة وطنية موحدة موثوقة تحمله، إرث أوسلو والانقسام.

إذ على الرغم من مرور شهرين ونصف الشهر على الاشتباك الميداني، إلا أن خطوة سياسية واحدة عملية وجادة لم تتخذ لإنهاء المفاعيل السلبية المدمرة لـ22 عاماً من أوسلو، ولـ8 سنوات من الانقسام، ذلك، على الرغم من أن بين أهم ما حصده الاشتباك الميداني حتى الآن يتمثل في استعادة الروح الوطنية وقيمها، وفي تخلُّص الوعي الوطني الفلسطيني، في مجمله، والشعبي منه خصوصاً، من خدعة أن مسار المفاوضات سيفضي لدولة، يضاعف مصاعب إمكانية انتزاعها بالنضال الانقسام.

إزاء هذه التحديات ثمة استحقاقات سياسية وتنظيمية لا بد للفصائل، عموماً، ولطرفي الانقسام خصوصاً، من تلبيتها، أبرزها إعادة ترتيب البيت الداخلي باستعادة الوحدة الوطنية، وتجاوز «أوسلو» والتحلل من التزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية. فالتغني بالوحدة الميدانية غير كافٍ، ويشي بعدم الكف عن خطاب احتكار الوطنية، وبالتهرب من اعتبار الاشتباك الميداني الحلقة المركزية، ما يضعف الثقة بأن الشعب الفلسطيني، وليس أياً من فصائله، هو الحقيقة التي يتعذر تبديدها أو تجويفها، ويشوش حقيقة أن الاحتلال يريد تحويل السلطة الفلسطينية، بشقيها في الضفة وغزة، لوكيل أعمال، وهو ما لا تقبل به قيادة فلسطينية، «معتدلة» كانت أو «متشددة»، ما يفرض التخلص من أوهام أن ثمة فرصة لتسوية سياسية، سيان بالتفاوض المباشر أو غير المباشر
وخطاب نتنياهو الأخير في الجمعية العامة واضح لا لبس فيه، وجوهره: لا دولة فلسطينية خلال الـ20 سنة القادمة، ولا انسحاب من الأغوار، ولا وقف للاستيطان، وعلى الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية»، وبـ»القدس عاصمة أبدية» لها.
خلاصة القول: استمرار الاشتباك الميداني هو سيناريو مرجح بلا أدنى شك. وهذا مهم، إنما كمحطة أولى أزاحت التراخي وبددت الكثير من الأوهام، وأربكت الاحتلال، وكبدته خسائر متنوعة، لكنه لن يفضي لإنهاء الاحتلال، ولا حتى لأي من أشكاله السياسية والعسكرية والأمنية والاستيطانية والاقتصادية، ما لم تتوافر له، (الاشتباك الميداني)، ركائزه الوطنية الموحدة السياسية والتنظيمية والميدانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الكفيلة بتحويله إلى انتفاضة شعبية تستلهم، (ولا أقول تستنسخ)، خبرة انتفاضة 87، في شروط سياسية وميدانية مختلفة، وتتسلح بشعارها الوطني الناظم، الحرية والاستقلال
هذا هو الشرط السياسي الوطني لتجنيب الاشتباك الميداني سيناريو المراوحة في المكان أو الخبو بتدرج، وسيناريو نجاح إجراءات الاحتلال الفاشية المتصاعدة في وضع حد له.
 

 

مقالات

السلطة الفلسطينيّة بين الانهيار والتفكّك

$
0
0
الجمعة, 11 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

تواصل السلطات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة منذ الأول من تشرين أول/أكتوبر إجراءاتها الأمنية والعسكريّة المتمثّلة في اعتقالات الفلسطينيّين، وتقطيع أوصال مدنهم، وهدم منازلهم، لمحاولة وقف  العمليات الفلسطينية  ضدّ الإسرائيليّين التي اندلعت منذ 1 تشرين الأوّل/أكتوبر حتّى اليوم، وتمثّلت بعمليّات الطعن والدهس وإطلاق النار.

تسريبات متلاحقة

في ذروة هذا التوتّر الفلسطينيّ-الإسرائيليّ، جاء مفاجئاً أن تسرب صحيفة هآرتس في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، أنّ المجلس الوزاريّ الإسرائيليّ المصغّر للشؤون الأمنيّة والسياسيّة، ناقش خلال يومي 19 و20 تشرين الثاني/نوفمبر سيناريو انهيار السلطة الفلسطينيّة، وسبل التعامل الإسرائيليّ مع هذا الاحتمال في حال حصوله.

بعض الوزراء الإسرائيليّين خاصة "نفتالي بينيت"وزير التعليم، و"آيليت شاكيد"وزيرة القضاء، اعتبرا في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، أن انهيار السلطة الفلسطينيّة فرصة تخدم مصالح إسرائيل، وطالبا الحكومة الإسرائيلية بعدم منع انهيارها، لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو  أعلن في 1 كانون الأوّل/ديسمبر أنّه لا يتمنّى انهيار السلطة، خوفاً من البدائل السيّئة على الأمن الإسرائيليّ.

لم تصدر السلطة الفلسطينيّة تعقيباً رسميّاً حول التسريب الإسرائيليّ، على عكس المتوقّع، مع أنّه يمسّ مصيرها، مع أن النقاش الإسرائيلي حول مصير السلطة الفلسطينية لم يقم به أكاديميون في محاضرة جامعية، بل خاضه صنّاع القرار الإسرائيليّ من القيادات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، مع استبعاد أحد رموز السلطة الفلسطينيّة لإمكان انهيارها، كما ذكر رئيس اللجنة السياسيّة في المجلس التشريعيّ عن فتح عبدالله عبدالله في تصريح صحفي يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر، معتبراً التهديدات الإسرائيليّة للضغط على القيادة الفلسطينيّة.

وفيما توقّفت المداولات الصحافيّة في شأن نقاشات الحكومة الإسرائيليّة، عاود وزير الخارجيّة الأميركيّ جون كيري التحذير في 5 كانون الأوّل/ديسمبر، خلال خطاب له في منتدى سابان لسياسات الشرق الأوسط التابع لمركز "بروكينغز"في واشنطن، من عواقب انهيار السلطة الفلسطينيّة، لأنّه سيشكّل تهديداً لإسرائيل.

أكّد عضو المجلس الثوريّ لحركة فتح سفيان أبو زايدة لـ"المونيتور"أنّ "هناك عدم توافق إسرائيليّ داخليّ حول فرضيّة انهيار السلطة الفلسطينيّة، في ضوء تشجّع بعض الوزراء اليمينيّين، ومعارضة الأجهزة الأمنيّة والجيش الإسرائيليّ، التي تعتبر أنّ أيّ خيار آخر غير السلطة الفلسطينيّة يعني مزيداً من الفوضى الأمنيّة، وهو ما لا تحبّذه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، نظراً لتوفر قناعات لديها بأن انهيار السلطة الفلسطينية خطوة بعد خطوة يعني إمكانية الذهاب إلى حالة من الفوضى في الضفة الغربية".

تزامن تحذيرات كيري مع نقاشات الحكومة الإسرائيليّة حول احتمال انهيار السلطة الفلسطينيّة، قد لا يكون عفويّاً، بل ربّما ارتبط بتأزّم العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بسبب عدم القدرة الإسرائيليّة على وقف موجة الهجمات الفلسطينيّة، على الرغم من إجراءاتها العسكريّة والأمنيّة، وتزايد تحريض إسرائيل ضدّ السلطة الفلسطينيّة، واتّهامها بعدم وقف العمليّات، كما ورد على لسان موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي في 30 تشرين الثاني/نوفمبر.

أوضح وزير الإعلام السابق في حكومة حماس يوسف رزقة لـ"المونيتور"أنّ "النقاشات الإسرائيليّة حول فرضيّة انهيار السلطة الفلسطينيّة جدّيّة، وليس مبالغاً فيها، لأنّ هناك تعويلاً إسرائيليّاً على ما بات يعرف بالحلّ الإقليميّ، في ضوء ما تقوله إسرائيل عن تحسّن علاقاتها مع بعض الدول العربيّة، عبر الدعوة لعقد مؤتمر إقليمي بمشاركة الدول العربية، وإمكان تجاوز السلطة الفلسطينيّة، وهو ما يطرحه اليمين الإسرائيليّ الذي يريد ضمّ كلّ المناطق الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل".

وأضاف: "خيار انهيار السلطة الفلسطينية بات سيناريو قابل للتحقق في ظل المواقف اليمينية الإسرائيلية، وهو ما يعني أن إسرائيل قد تواجه صعوبات جدية في إدارة شئون الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويعيدها إلى مرحلة ما قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، بما يعني ذلك من تحملها أعباء إدارية واقتصادية وأمنية".

قد لا يتوافر لدى الفلسطينيّين حتّى اللحظة سيناريو تفصيليّ حول طبيعة الانهيار المتوقّع للسلطة الفلسطينيّة، كعمليّة عسكريّة إسرائيليّة كبيرة تجتاح الضفّة الغربيّة بصورة شاملة، وتسفر عن تقييد حركة الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، كما حصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات في عام 2002.

ورّبما تذهب إسرائيل إلى استهداف تدريجيّ للأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، واعتقال بعض عناصرها، لانخراطهم في هجمات ضدّ إسرائيل، آخرها عملية الدهس التي نفّذها ضابط جهاز المخابرات الفلسطينيّة مازن عريبة في 3 كانون الأوّل/ديسمبر ضد جنود إسرائيليين في شمال القدس، حيث أطلق عليه الجنود الإسرائيليون النار، وقتلوه.

وربّما يؤدي إيقاف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينيّة، وهذه إجراءات قد تؤدّي إلى حصول تفكّك تدريجيّ للسلطة، وليس انهياراً مفاجئاً، لأن السلطة في هذه الحالة ستكون عاجزة عن توفير مرتبات موظفيها، وبالتالي عجزهم عن القيام بمهامهم الوظيفية تجاه الفلسطينيين، خاصة عناصر الأجهزة الأمنية، مما قد يؤدي لغياب الضبط الأمني في الضفة الغربية.

إسقاط تدريجيّ

التقى "المونيتور"مسؤولاً أمنيّاً في السلطة الفلسطينية، طلب عدم الإفصاح عن هويّته، للتعرّف على سيناريو إسرائيل المتوقّع لانهيار السلطة الفلسطينيّة، فقال: "قد تذهب إسرائيل إلى تقسيم الضفّة الغربيّة إلى وحدات جغرافيّة عدّة، لكلّ وحدة قائد عسكريّ إسرائيليّ له الحريّة في معالجة الوضع الأمنيّ لوقف العمليّات الفلسطينيّة بوسائل الضغط العسكريّ والاقتصاديّ، وإقامة حواجز إسمنتيّة حول القرى، ومنع الجيش الإسرائيليّ من مرور السيّارات بين المدن الفلسطينيّة. وهذه إجراءات قد تقلّص سيطرة السلطة الفلسطينيّة على الضفّة الغربيّة، ولا يعود لها نفوذ فعليّ، تمهيداً لإسقاطها تدريجيّاً".

هذا الحديث يتوافق مع ما كتبه رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة المقرّبة من السلطة الفلسطينيّة حافظ البرغوثي  في 15 آب/أغسطس، عن أنّ الخليفة المتوقّع في حال انهيار السلطة الفلسطينيّة، سيكون منسّق عمليّات الحكومة الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما فيها الضفة الغربية، الجنرال يوآف مردخاي.

قد تكون المشكلة الأكبر التي ستواجه إسرائيل في حال تحقّق سيناريو انهيار السلطة الفلسطينيّة، المصير المجهول لأفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، الذين يحملون عشرات الآلاف من البنادق والأسلحة، التي ربّما تقع في أيدي منفّذي العمليّات المسلّحة ضدّ الإسرائيليّين، وهو ما قد يجعل إسرائيل تفكّر مرّات عدّة قبل الإقدام على إسقاط السلطة الفلسطينيّة، لاسيما في ضوء تواصل الانتفاضة، وإمكانية توسعها إلى حالة من المواجهات والاضطرابات المستمرة، في حين لا يعرف كيف سيكون رد فعل الفلسطينيين على مثل هذا التطور المتمثل بحصول الانهيار التدريجي للسلطة الفلسطينية.

وأبلغ مدير عام المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجيّة مسارات في رام الله هاني المصري "المونيتور"بأنّ "وقوع مجزرة إسرائيليّة ضدّ الفلسطينيّين، أو تغيير جوهريّ في وضع المسجد الأقصى، أو عمليّة استشهاديّة تؤدّي إلى عدد كبير من القتلى الإسرائيليّين، أو وفاة الرئيس محمود عبّاس، أو استقالته قبل الاتّفاق على خلافته، أو تغيير السياسة الفلسطينيّة الحاليّة نحو مجابهة الاحتلال الإسرائيليّ، كلّها تطوّرات قد تؤدّي إلى انهيار السلطة".

أخيراً... صحيح أنّ موقف السلطة الفلسطينيّة من الانتفاضة ما زال متردّداً، فلا هي داعمة لها كليّاً، خشية ردود الفعل الإسرائيليّة، ولا تقف ضدّها خوفاً من غضب الفلسطينيّين. لكنّ هذا الموقف لا يكفي صنّاع القرار الإسرائيليّ على ما يبدو، ممّا قد يجعلهم يقومون بسياسة تدريجيّة نحو حافّة الهاوية، للضغط على السلطة الفلسطينيّة، وإشعارها بأنّها قد تكون آيلة إلى الانهيار إن لم تتّخذ موقفاً رافضاً للانتفاضة، ولا يبدو أنّ السلطة في صدد أن تعلن موقفاً على هذا النحو قريباً.


 

مقالات

أولوية ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي

$
0
0
الأحد, 13 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

لم يعد خافياً على  أحد ان ما يسمى عملية السلام والمفاوضات فد فشلت تماماً، وان الرهان عليها أصبح رهاناً على الفشل ذاته، وان خطاب الرئيس في الأمم المتحدة 30/9/2015 شكل إعلاناً واضحاً عن هذا الفشل، كما لم يعد خافياً على أحد ان حكومات الاحتلال المتعاقبة كرست كل جهودها وامكاناتها لإجهاض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وهي مستمرة في تنفيذ هذا المشروع، كما لم يعد خافياً ان حالة الإنقسام الأسود الحقت ضرراً جسيماً بالقضية الفلسطينية ومكانتها العربية والدولية وبالنضال الفلسطيني، وكانت ولا زالت سبباً في الفشل باستثمار التضحيات الفلسطينية خلال السنوات الماضية.

ان الهبة الشعبية تأخرت قليلاً أو كثيراً بسبب حالة الإنقسام وغياب الإرادة السياسية الجامعة، وأثبتت هذه الهبة مجدداً ان الرهان الأول والأخير يجب ان يبقى على هذا الشعب العظيم الذي يفاجيء العالم كل مرة ويثبت ان لديه مخزون نضالي لا ينضب وان كل ضغوطات الكون ومغرياته وكل الأضاليل لن تنجح في حرف بوصلة هذا الشعب التي كانت وستبقى متجهة صوب القدس، وستبقى القدس هي القبلة  والاتجاه الذي يصوب ليس الاتجاه الفلسطيني وحسب وإنما العربي والإسلامي كذلك، وقد جاءت هذه الهبة بعد سنوات عجاف شهدت أكبر تصاعد لوتيرة الإستيطان والتهويد والحصار والعدوان والقتل والإعتقال والتدمير، وشهدت كذلك تآكل النظام السياسي الفلسطيني الذي يوشك على الإنهيار، وان من يرغب حقاً ومخلص فعلاً ومقتنعاً بتحويل هذه الهبة إلى إنتفاضة شاملة، عليه ان يدرك ان الشرط الأساسي لذلك والخطوة الأولى هي ترتيب البيت الفلسطيني، وان التغني بالهبة والتضحيات وإدارة الظهر لشروط نجاحها فيه قدر كبير من النفاق والتناقض والتضليل.

وان الخطوة الأولى في ترتيب البيت الفلسطيني تكمن في المصالحة والإستجابة للنداءات الشعبية والأفكار والمبادرات الصادرة عن جهات فلسطينية متعددة، والدعوة لإنهاء الإنقسام والمصالحة، حيث يأتي في هذا الإطار الأفكار التي بلورها مركز مسارات، وما عبر عنه الأستاذ هاني المصري، وما عبرت عنه أفكار د. سلام فياض وأحمد يوسف وغازي حمد وممدوح العكر وغيرهم العشرات، إضافة إلى المذكرات والبيانات الصادرة عن مختلف الهيئات الفلسطينية، وهي أفكار جديرة بأن يتم الإصغاء لها ومناقشتها للخروج من المأزق، وكما ذكرنا فإن الخطوة الأولى واستجابة للإرادة الفلسطينية في الوطن والشتات لا بد من المسارعة لعقد مؤتمر وطني للحوار الشامل بمشاركة كافة القوى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية وممثلي الرأي العام والنقابات والإتحادات والأسرى المحررين وكافة القطاعات دون استثناء، بهدف التوافق على مباديء إستراتيجية فلسطينية وطنية جديدة مستندة إلى مبدأ الوحدة والتعددية والشراكة الوطنية الكاملة، ومرتكزة الى الوثائق الوطنية المختلفة التي مثلت محط إجماع أو شبه إجماع وطني، وفي مقدمتها  وثيقة الأسرى للوفاق الوطني، وعلى ان يقود هذا المؤتمر الى إعادة بناء وتطوير م.ت.ف بمشاركة الجميع بما في ذلك حركتي حماس والجهاد، وتحديد موعد نهائي لإنتخابات رئاسية وتشريعية، وان إنعقاد هذا المؤتمر سيشكل خطوة أساسية وهامة لإجراء الإنتخابات تحضيراً لعقد دورة جديدة وشاملة وموحدة للمجلس الوطني الفلسطيني، وتجدر الإشارة هنا الى ان أحد أسباب شلل النظام السياسي الفلسطيني وافتقاده للحيوية والقدرة على مواجهة التحديات والإبداع هو ليس الإنقسام وحسب وإنما غياب الإنتخابات الديمقراطية، وقد حان الوقت للعودة إلى الشعب بإعتباره السيد الأول والأخير ليقول كلمته ورأيه ويمارس حقه المقدس، وإنتخاب رئيس ومجلس تشريعي جديد ومجلس وطني جديد، ولتوليد نخبة سياسية فلسطينية جديدة، تولد من رحم مقاومة الإحتلال وإرادة الشعب الفلسطيني الأصيلة من خلال صناديق الإقتراع، ولا يمكن لأحد أن يقبل إستمرار تغييب الشعب الفلسطيني، والفرصة سانحة الآن للقطيعة مع النهج الذي أستمر خلال السنوات الماضية ولم يجني سوى الفشل، نهج التفاوض ونهج الإنقسام ونهج الفئوية، وعلينا ان نصغي لأصوات وفعل الصغار (الكبار) الذين التقطوا اللحظة، وان نحميهم ونحضنهم ونلتف حولهم، وهذا لا يأتي الا بالإرتفاع إلى مستوى تضحياتهم وشجاعتهم، وذلك من خلال التسريع في الدخول في ورشة وطنية لإنهاء الإنقسام وإنجاز المصالحة بإعتبار ان الوحدة الوطنية قانون الإنتصار وان الإستراتيجية الجديدة تحتاج إلى من يحملها ويحمييها والتي يجب ان تكون على ثلاث ركائز طالما دعا اليها المناضل مروان البرغوثي وتتلخص في الوحدة والمقاومة والديمقراطية، والوحدة هي شرط لجدوى المقاومة للإحتلال وشرط لقطف ثمار الفعل والكفاح والتضحيات، والوحدة أساسها الشراكة على قاعدة التعددية والديمقراطية، وان الوحدة الوطنية هي القلعة التي يجب ان يتم تحصينها خاصة في ظل الإنشغال الدولي والتسليم بالنظرية الإسرائيلية وترك إسرائيل تنفرد بالفلسطينيين وفي ظل الإنشغال العربي الداخلي عن قضية فلسطين وان المطلوب من الجميع ان يتقدموا خطوة إلى الأمام الواحد تجاه الآخر والجميع تجاه القدس ليجدوا أنفسهم في جبهة وطنية واحدة هي جبهة الشعب الفلسطيني الواحد الموحد.

مقالات

رسائل كيري الحقيقية للفلسطينيين

$
0
0
الخميس, 17 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

عندما سمعت في نشرات أخبار إذاعية عن تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بشأن المستوطنات الإسرائيلية، رجحت أنّ أمامي مادة طويلة لقراءتها. فمجلة "ذي نيويوركر"التي نشرت التصريحات، لا تنشر في الغالب أخبارا ومقابلات قصيرة، بل هي، في مجال السياسة، غيرها في الثقافة والأدب؛ هي مجلة التحقيقات المعمّقة البانورامية الطويلة. وبالفعل، كان مقالا مطولا عن كل شيء يتعلق بكيري، فيما موضوع فلسطين مجرد جزء، إلى جانب كل السياسات الأميركية الخارجية. ويتضمن المقال إعلان اليأس. وأهم ما يعلنه ليس الانتقاد للحكومة الإسرائيلية، وهو ما ركز عليه الإعلام، بل أنّ كيري لن يعود لعملية التفاوض حقاً، وهو ما يجب أن يوجه رسالة للفلسطينيين.
يحلل المقال حياة كيري وشخصيته منذ طفولته، ويصف تأرجحه بين الطموح والنجاح غير المكتمل، واضطراره للتخلي عن طموحاته أحياناً مع شعوره بمرارة لأنّ من حوله يخذلونه؛ من مثل خسارته الانتخابات الرئاسية العام 2004 ضد جورج بوش الابن، أحد أسوأ الرؤساء في التاريخ الأميركي، كما تصفه المجلة، وشعور كيري أن فريقه الانتخابي خذله عندما منعه من الرد على افتراءات وجهها له بوش. بالمثل، يصف المقال الذي يعتمد على الكثير من الملاحظات والمعلومات المتراكمة من شخصيات مختلفة حول كيري، حالات السخرية والهجوم الشخصي التي تعرض لها كيري، ومثله الرئيس الأميركي باراك أوباما، من قبل المسؤولين الإسرائيليين. فمثلا، كتب ران باراتاز، الذي عينه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤخرا، مسؤولا للإعلام في فريقه، على صفحته في "فيسبوك"، أنّ أوباما معاد للسامية، وأنّ المستوى العقلي لكيري لا يتجاوز قدرات ولد عمره 12 عاما. وقبل هذا سخر منه وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون، وقال إنّه يتمنى أن يحصل كيري على جائزة نوبل حتى ينتهي هوسه بالتوصل لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وليتخلص من همه بوجود "رسالة"إلهية عنده. 
ما توقف عنده الإعلام هو نقد كيري (الذي ربما عبّر عنه قبل أسابيع) بشأن مواصلة الإسرائيليين للاستيطان وهدم بيوت الفلسطينيين، وكيف أنّ هذا سيؤدي إلى دولة واحدة تصعب إدارة أراضيها، ولا تتمتع بالسمة اليهودية والديمقراطية التي "ميزت إسرائيل عند ولادتها". ولكن ربما الأهم من ذلك أنّه بعد سرد تفاصيل من نوع أن غالبية وزراء الحكومة الإسرائيلية يعلنون جهاراً أنهم ضد حل الدولتين، وبعد الإشارة إلى رأي المسؤولين الأميركيين بشأن شخصية نتنياهو وأنّه "قصير النظر، مغرور، لا يمكن الوثوق به، جامد، لا يحترم الرئيس الأميركي، وهدفه قصير المدى الدائم هو الحفاظ على حكومته"، فإنّ الموقف الأميركي هو فعل لا شيء. 
بل أكثر من ذلك، يؤمن كيري أنّ اتفاقا فلسطينيا إسرائيليا مفيد لإسرائيل، ورائع للفلسطينيين، ورائع للمنطقة، سيوفر دخلا وفرص عمل أكبر للناس، وسيكون هناك سلام، وسيكون ضربة ضد الجهاديين. ورغم قناعته أن إسرائيل تعرّض هويتها اليهودية وديمقراطيتها للخطر، ورغم خوفه من أنّ انهيار السلطة الفلسطينية سيؤدي إلى تشرذم ثلاثين ألف رجل أمن فلسطيني، وتجدد المواجهات وانخراط هؤلاء في العنف ضد الإسرائيليين، إلا أنّه بعد هذا كله يقول (كما ينقل المقربون منه) إنّه وإن كان سيبقى مؤيدا لحل الدولتين، فإنّه لن يعود لجهده في التوسط للوصول إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا إذا "جاؤوا وطرقوا بابه"، وطلبوا ذلك. 
يبدو حال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو يتحدث، هذا الأسبوع، أنّ الانتفاضة مبررة، من دون طرحه خطة تحرك شاملة، كمن يقول إنّ الكرة الآن في ملعب الشبان الفلسطينيين وأنّه لن يعارضهم. أمّا كيري، فيقول إنّ بلاده ستظل منحازة للإسرائيليين مهما فعلوا، وحتى لو كانوا يؤذون أنفسهم، ويؤذون المنطقة وسلامها، وبالتالي يؤذون السلام العالمي ويؤذون المصالح الأميركية. وهذه أيضاً رسالة للشبان الفلسطينيين أنّ أحداً لن يتدخل لمساعدتكم، وأنّ العالم لا يكترث بكم. وفي المقال يقول كيري "إنّ الفلسطينيين لا حول لهم، وأغلب الأوراق بيد الإسرائيليين". وبالتالي، فإنّ العامل الذاتي الفلسطيني الذي أوصل الثورة الفلسطينية يوماً للبقاء، وأجبر العالم على محاولة الوصول لتسوية، كان هو الأساس وسيبقى هو الأساس بتطوره ضمن تصورات أكثر شمولا ووضوحاً.

 

مقالات

حماس..ضرورات المراجعة والتقييم

$
0
0
الثلاثاء, 15 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

الحركات الكبرى لا تخشى المراجعة والتقييم، لذا فإن الذكرى الـ28 لانطلاقة حركة حماس التي مرت منتصف الشهر الجاري تشكل فرصة مواتية لتقييم العمل والأداء في ظل الأخطاء والمنزلقات التي أصابت الحركة في السنوات الأخيرة.
لا تتسع المساحة المحدودة للمقال لتقييم حركة بحجم ووزن حركة حماس التي عاشت تحولات كبرى في التفكير السياسي والجهادي منذ انطلاقتها وحتى اليوم، وأحدثت أثرا كبيرا في حياة الشعب الفلسطيني ومسارات قضيته الوطنية إلا أن جلال اللحظة التاريخية التي تمر بها حماس يفرض علينا الإشارة إلى أبرز مواضع الخلل والإخفاق في مسيرتها، فضلا عن توجيه العديد من النصائح الأساسية المستمدة من رحم الواقع المعاش.

 

أخطاء ومنزلقات
لعل أبرز هذه الأخطاء والمنزلقات تتمثل في التالي:
أولا: السقوط في فخ الانقسام
لا يجادل كثيرون في أن الاحتراب الداخلي الذي سبق أحداث الانقسام الأليمة منتصف عام 2007 كان مفتعلا، وأن فصوله قد حبكت بعناية عبر توجيه خارجي لإفشال تجربة حماس الجديدة في الحكم آنذاك، إلا أن الاضطرار إلى المعالجة الأمنية الموضعية ذات الظرف الزمني المحدود التي تستهدف تطهير بعض الجيوب والمجموعات المتمردة شيء، والحسم الأمني الشامل المتبوع بحسم سياسي واضح شيء آخر تماما.
منذ اللحظة الأولى التي أعقبت فوز حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006 كان واضحا أن الحركة قد ولجت معتركا صعبا لم تخبر تضاريسه وتعرجاته من قبل، وأن قدرتها على مجابهة الصعوبات المتولدة عنه تبدو بالغة المحدودية والضعف.
ويتعلق ذلك خصوصا بانتقالها الفجائي من مقاعد المعارضة إلى تبوؤ مقاليد الحكم من دون أي تهيئة أو مقدمات، مع ما يعنيه ذلك من توقعات طبيعية بنشوء إشكاليات ذات بال تتعلق بمدى مرونة تسليم الحكم والإدارة من قبل حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية، وتوقن بأنها صاحبة مشروع نشأة وتأسيس السلطة والأحق بتولي أمرها من دون منازع.
لم تدرك حماس أن الوضع الفلسطيني الداخلي يسير على رمال متحركة، وأن الألغام المنزرعة في مفاصله وجنباته المختلفة كفيلة بتفجير الموقف بين عشية وضحاها، وأن أصول الحكمة تقتضي الدراسة المتأنية لكل خطوة وموقف بعيدا عن الانجراف في دوامة المخطط الذي رسمه البعض لتوريطها في أوحال مستنقع الفتنة الداخلية.
وهكذا انجرفت الحركة بعفوية مفرطة وراء سياقات الأحداث من دون تمحيص كاف لتجد نفسها في كل لحظة أمام وقائع جديدة غير متوقعة، وتنتهي بها الأمور في نهاية المطاف إلى السيطرة على غزة عسكريا في ساعات معدودات.
وبطبيعة الحال تبرز أسئلة كثيرة حول سر التهاوي السريع للقوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في ذلك الوقت، إلا أن ذلك يبدو هينا أمام السلوك اللاحق الذي أحال الحسم الأمني الحاصل إلى حسم سياسي ترتبت عليه تداعيات كبرى دفعت القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني جراءها ثمنا باهظا طوال سنوات البؤس والحصار والعدوان الماضية.

ثانيا: ضعف الحكم والإدارة
منذ انخراط حركة حماس ضمن إطار النظام السياسي الفلسطيني عقب فوزها في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006 وما أعقب ذلك من تداعيات سياسية -إقليميا ودوليا- وجنوح النظام الإقليمي والدولي نحو فرض الحصار على الشعب الفلسطيني -خصوصا في قطاع غزة- واستدعاء شروط ‘الرباعية’ المعروفة كان واضحا أن الحركة قد دخلت عمليا في عنق الزجاجة، وأن المأزق الذي تواجهه في كفة، وكل ما واجهته الحركة سابقا من مآزق في كفة أخرى.
تأسست قناعة حماس من وراء انخراطها في صلب النظام السياسي الفلسطيني على كون ذلك وسيلة من وسائل التخفيف عن الناس وإدارة شؤونهم اليومية وتغطية ظهر المقاومة سياسيا، فيما تبقى المقاومة حجر الزاوية ضمن المشروع الفلسطيني النهضوي، والخيار الاستراتيجي لاستعادة الحقوق المشروعة والأرض السليبة.
لكن انغماس الحركة في العمل الحكومي، وما واجهته من ظروف قاسية وتحديات على مختلف الصعد ولد لديها قناعة كاملة أن الأمر ليس سهلا كما تصورته في البداية، وأن ولوجها إلى مرحلة الحكم المباشر -خصوصا في مرحلة ما بعد سيطرتها على قطاع غزة عام 2007- كفيل بإصابتها بالكثير من الخسائر التي لم تكن ضمن أجندتها الوطنية وحساباتها الحزبية.
وفعل ضعف الخبرة السياسية والإدارية لحركة حماس في إدارة شؤون الحكم على مستوى التعاطي مع القضايا السياسية والخدماتية المختلفة فعله في الحركة، مما جعلها في مرمى نقد شرائح مهمة من المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة الذين وضعوا أداء الحكومة التي شكلتها الحركة على المقصلة، وحاكموا تجربة الحركة انطلاقا من الصعوبات الكبرى التي أصابت الوضع الاقتصادي وقسوة الظروف المعيشية التي عايشها أهالي القطاع في مرحلة الحصار الذي أعقب سيطرة الحركة على مقاليد الأمور هناك.

ثالثا: فقدان الظهير الاستراتيجي
ليس من المبالغة في شيء القول إن حماس قد فقدت سندا أساسيا وظهيرا قويا إثر انهيار العلاقة مع إيران عمليا بفعل فك الارتباط مع النظام السوري، وبالتالي توقف الدعم المالي الإيراني الذي تجاوزت به الحركة جزءا كبيرا من آثار الحصار المالي المضروب على القطاع سنوات طويلة.
ولعل المعضلة التي واجهت الحركة آنذاك تكمن في خطأ الحسابات السياسية التي رسمتها على إيقاع التضاريس المتقلبة التي أفرزها واقع الثورات العربية، وجنوحها نحو اتخاذ مواقف مبدئية -قطعية ونهائية- لم تترك لها أي فسحة أو هامش سياسي بما يتناسب مع خصوصية القضية الفلسطينية، وضرورات الحفاظ على حدود التواصل وتحشيد الدعم من لدن القوى الفاعلة في الأمة ومكوناتها المختلفة.
وجاءت التحولات المتسارعة التي طرأت على الساحة المصرية على إثر الانقلاب على جماعة الإخوان، وضعف إدارة حماس لملف العلاقة مع مصر لتترك حماس بلا أي داعم أو ظهير استراتيجي حتى اليوم.

رابعا: تزعزع المكانة الداخلية
لم تعش حماس علاقة غير سوية مع شرائح مهمة من الجماهير داخل قطاع غزة كما هو الوضع اليوم، ولم تعش ظروفا صعبة على أرض الضفة الغربية كما هو الحال اليوم.
فقد فعلت تجربة الحكم فعلها في عدد كبير من أبناء القطاع الذين حاكموا تجربة الحركة وممارساتها الإدارية في سياقات موضوعية بحتة بعيدا عن المؤثرات الخارجية التي تجسدت في ثوب الحصار.
وعلى الرغم من قناعة هؤلاء بوجاهة موقف حماس في مواجهة الحصار فإنهم ينكرون عليها الإصرار على التصدي لتجربة الحكم وسياسة أمور الناس في ظل استمرار الحصار الشرس الذي أحال حياة أهالي القطاع إلى جحيم لا يطاق.
ومع كل يوم كانت تمضيه حماس في الحكم كان رصيدها الشعبي يتناقص باطراد كونها من يتحمل مسؤولية العجز عن تقديم الخدمات الناس في ظل اشتداد الحصار.
بل إن حماس واجهت أزمة جديدة عقب إبرام اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة التوافق الوطني من خلال أزمة رواتب موظفي حكومتها السابقة الذين طمأنتهم بالأمان الوظيفي في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة التوافق خضوعهم لمعايير البحث القانوني والهيكلة الإدارية.
فوق ذلك، فإن حماس أهملت معايير العدالة في علاقتها مع المواطنين، بل طال الأمر قطاع الموظفين في حكومة هنية السابقة الذين يشكل عناصرها أغلبيتهم الساحقة.

نموذج مغاير
لذا تحتاج حركة حماس إلى تقديم نموذج وطني راق ومسؤول مغاير لما كان عليه الحال سابقا، لعل أحد أهم أشكال الخلل التي نخرت في صلب التجربة السياسية لحركة حماس على مدار المرحلة الماضية تكمن في أخطائها المتكررة وضعف استجابتها لنصح الناصحين.
لا نريد لتجربة حماس اليوم أن تنهار، ولا لمشروعها أن ينكسر، فقوتها كما قوة فتح هي قوة للشعب والأمة، وضعفها ضعف للشعب والأمة.
لا نتحدث عن الجانب المقاوم الذي قدمت فيه حماس إسهامات مشرفة، لكننا نطرق أساسا الجانبين السياسي والإداري اللذين اعتورهما الكثير من أوجه الخلل والقصور.
من الصعب إقناع الجماهير بمدى جدية وأهلية التجربة السياسية لحماس مستقبلا بعيدا عن تقديم مقاربة وطنية جديدة واضحة وصريحة ومكشوفة يتم في إطارها تصويب الخلل وتقويم الأداء ووضع الأمور في نصابها على أساس وطني سليم.
من السهل تبسيط الأمور ووضعها في قالب سياسي بحت، والقول بضخامة الهجمة التي تشن ضد الحركة وسلطتها الحاكمة، وصعوبة إحداث المكاشفة الصريحة والتقويم العلني وفقا للتقاليد والأصول الوطنية، وعدم الرغبة في إظهار الأخطاء وأشكال القصور على رؤوس الأشهاد كمبرر للتهرب من الاستحقاقات الوطنية والنزول عند مقتضيات المساءلة المطلوبة والعلاج المنشود.
إن حماس اليوم تعيش تجربة لها استحقاقاتها التي لا يمكن تجاوزها إن أرادت أن تكرس انتقالها من الإطار الحركي المعروف إلى الإطار الحاكم المسؤول عن حياة ومصير الشعب الفلسطيني، لكنها ما زالت تحمل العقلية الحركية الضيقة في التعاطي مع الشأن العام ومسألة الحكم والإدارة، وتنسى أن التصدي لشؤون الحكم يضع أصحابها تحت مطرقة الحساب والمساءلة الشعبية على الدوام.
لا خلاف على حساسية الظروف ودقة الأوضاع، لكن خوض معترك الحكم والإدارة، وتقلد المسؤولية عن حياة ومصير الناس، وما يتطلبه ذلك من التزام صارم بمقتضيات القانون شيء، والبقاء في مقاعد المعارضة شيء آخر تماما.

نصائح واجبة
النصيحة الأولى تتمثل في استفراغ الوسع وبذل كل ما من شأنه طي صفحة الانقسام البغيض مع حركة فتح، حتى لو اضطرت حماس لتقديم تنازلات حزبية، لأن التنازل الحزبي لصالح الوطن يشكل عنوان الفضيلة وذروة التلاحم مع هموم ومصالح الفلسطينيين الذين يعيشون ظروفا بالغة القسوة في قطاع غزة على مختلف المستويات.
فيما تكمن النصيحة الثانية في إيلاء الأهمية القصوى للتواصل وبسط جسور الإخاء والوداد مع الناس، والحرص الدائم على حل مشاكلهم وتخفيف معاناتهم الكبرى جراء الحصار والعدوان الإسرائيلي.
أما النصيحة الثالثة فتركز على تعزيز البعد التربوي ضمن أجندة أولوياتها التنظيمية الداخلية، وضخ مزيد من الكفاءات المدربة في دواليب العمل التربوي، لأن عوائد الجهد والعمل التربوي قد تراجعت بوضوح في غمرة انغماس الحركة في العمل السياسي، وهو ما وجد تجسيداته السلبية على أرض الواقع.
النصيحة الرابعة تعنى بأهمية استخلاص العبر من العثرات ونقاط الخلل إبان تجربة الحكم طوال السنوات الماضية، خاصة لجهة إنفاذ معايير العدالة وعدم المساس بالحريات العامة في المجتمع الغزي.
وتكمن النصيحة الخامسة في إحداث مراجعة جدية لملف العلاقة مع مصر، بما يعمل على ترطيب الأجواء معها، ويقود إلى بلوغ خلاصات مرضية تطوي صفحة الأزمة وتنهي معاناة أهالي القطاع.
وتتعلق النصيحة الأخيرة لحماس بضرورة استعادة الثقة التنظيمية الداخلية لعناصرها عبر مراجعة أسس ومعايير العدالة داخل الحركة، لأن سلامة ومتانة الصف الداخلي تشكل الركيزة الأولى لمواجهة سائر التحديات التي تواجه الحركة هذه الأيام.
ما سبق يعبر عن تشخيص جزئي لحالة حماس ونصائح سريعة لحل مشكلاتها الراهنة، وهو ما ينبغي على الحركة استدراكه والعمل بمقتضياته من دون أي تأخير للخروج من المأزق الراهن بأقل الخسائر والتكاليف.

مقالات

الإخفاق في حماية النساء

$
0
0
الأحد, 20 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

يبدو أنني سأتوقف عن الاندهاش كلما سمعت خبراً من أخبار سبي النساء، فلم يعد تصيبني الصدمة من قتلهن بوحشية، سواء بسبب كره البعض للنساء تارة، أو بسبب هيام وحب البعض الآخر لهن تارة أخرى.

سأتخلى عن انفعالي إثر الاستماع لشهادات القتل والاغتصاب والخطف والسبي والاتجار والإكراه، إلى نهاية قائمة انتهاكات حرمة النساء في بلاد الشقاء العربي، في بلاد الشام وشمال إفريقيا.

مداولات لقاء بيروت ذات صلة بروح المدينة وفضاءاتها، هوامش منحتها لها صدف الجغرافيا والديموغرافيا.

 جمعية «كفى عنف واستغلال» تبتغي تحريك المياه الراكدة عبر تنظيم عصف فكري حول «التابويات» الثقافية، وأشكال الابتزاز الأيديولوجي وتآكل المواقف وعقد الصفقات بين القوى المتنفذة على حساب تقدم وضعية النساء ومشاركتهن المتساوية.

المداولات ترفض منظومة مكرور النقاش وجرِّه إلى نهاية العام، على شاكلة لزوم ما لا يلزم.

 ما يميز لقاء بيروت استكماله ومراكمته على مخرجات منتدى أربيل، آخذاً في الاعتبار الهزات الانحدارية.

 في أربيل تركيز على آليات مقاومة النساء التطرف والإرهاب وحمايتها منهما، وفي بيروت، تركيز على فشل الآليات الدولية في حماية النساء، واستعراض وتعريض في التبني الأنظمة المحلية السطحي لآليات الحماية الدولية.

المرأة الفلسطينية المخضرمة عايشت واختبرت جيداً كوارث فشل الآليات الدولية في تحقيق الحماية، وهذه تضاف إلى تلك، خبرة تملص الدُول العربية من التزاماتها وواجباتها اتجاه حماية المرأة بذريعة الخصوصية الثقافية.

 ما يميّز اللقاء؛ استخلاصه أن طريق العربيات بعد الحراك لم يكن مستقيماً، بل اعتراه كثير من الالتواءات والانحرافات عن المسار، وانسداد الأفق أمام حمايتها من العنف دون وضع استراتيجيات مكافحة الفكر الأصولي.

 ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة اعترفت بوضوح دون تأويل، بأن القرار 1325 لم يُطبّق رغم كونه أحد الصكوك الدولية المهمة، واندفعت في صراحتها لدى تشكيكها في جدواه في حالة عدم قدرته على التأثير على أرض الواقع، وهي محقة بسبب الارتفاع غير المسبوق لمعدلات العنف ضد المرأة حتى في الدول المستقر حكمها، ليس بسبب ازدواجية المعايير فقط، بل بسبب ازدواجية التطبيق العائدة للتمييز ضد النساء وغياب الإرادة السياسية.

لقد بُطِش بالمرأة بسبب مشاركتها في ميادين التغيير، ونالت نصيبها من الانتهاك والقسوة كالرجل تماماً أو أكثر قليلاً في بعض الحالات. قتلت وسُحلت واعتقلت واغتصبت وشُردت وعرضت أجسادهن في أسوق النخاسة وتم تسعيرها وفقاً لقوانين السوق والعرض والطلب، ما يؤكد عجز الدساتير والقوانين في توفير الحد الأدنى من الحماية وحفظ الكرامة الإنسانية.

اجتماع بيروت، عبَّر عن وعي وإدراك المرأة لطبيعة الصفقات التي تضحي بالمرأة على مذبح المصالح السياسية والبقاء في السلطة، فمن جهة؛ يخرق المجتمع الدولي الاتفاقيات الحقوقية التي أنتجها ويتواطأ على حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، تخترق الأنظمة التقليدية مرجعياتها وتتواطأ مع القوى السلفية على النساء، وتحوَّل توقيعاتها على الصكوك الدولية إلى مجرد حبر على ورق.

يتحفظ البعض على جوهر الحقوق والبعض الآخر يتلكأ في مواءمة تشريعاته والإيفاء بالتزاماته، والجميع يتذرع بالخصوصية الثقافية كمشجب يعلق عليه ازدواجية معاييره ويخفي خلفها مواقفه الأصولية.

 في بيروت الملتقى، نتعرف على اصطياد الفرصة، قيام الأنظمة في تضييق الحريات وتكريس التسلط في إحكام قبضتها وسيطرتها تحت عنوان مسمى محاربة الإرهاب، فترتخي قبضتها عن الإمساك بمسؤوليتها في تأمين الحماية للنساء، ونرى أن حماية النساء سيان في حالات السلم والحرب، حيث التقصير سيد المكان، في سن قوانين الحمائية وفي اشتقاق سياسات أساسية وتدخلات انتقالية ذات أبعاد ثقافية، بل تزيد الأمور بلّة في إحيائها القوانين والأعراف القبلية والعشائرية كبدائل موازية للقوانين؛ ما يكبح المسار القانوني ويكرِّس دونية النساء وانكشافهن ويحطّ من كرامتهن وإنسانيتهن، كما تعجز الأنظمة في حالة الصراع المسلح عن حماية النساء، فلا هي قادرة على إيجاد الحلول لأزمات اللجوء، ولا تنجح في وقف وردع عمليات الاتجار بالنساء والفتيات.

 في هذه العجالة، وعلى خلفية فشل الآليات المعتمدة في حماية النساء، المحلية والدولية، سجلت النساء الخلل الكبير في سياسات التمويل المعتمدة تجاه المنظمات، من حيث ضعفه وقصوره في تأمين استمرارية البرامج وديمومة عمل المنظمات، وسجلت تحفظها على سياسة المموِّل وفرضه أولويات لا تضع احتياجات النساء كما يرونها على الأرض بعين الاعتبار.

 

 

 

 

مقالات

لا تحالف من أجل فلسطين!

$
0
0
الجمعة, 18 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

للعرب تاريخ طويل في إعلان تحالفات يافطتها المعلنة حماية الأمن العربي المشترك، لكن الأهم هو أن أيٍ من هذه التحالفات لم يكن من أجل فلسطين.

حلف بغداد مثلاً الذي تشكل العام ١٩٥٦ كان يستهدف محاصرة النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، والغريب أنه كان تحالف سني - شيعي، حيث ضم إلى جانب العراق، إيران وتركيا والباكستان وتلقى الدعم من دول أخرى مثل المملكتين الأردنية والسعودية.

في العام ١٩٨٠ أعلن العراق الحرب على إيران، وهذه الحرب أُعطيت صفة الدفاع عن البوابة الشرقية للعرب وتم دعمها من قبل جميع العرب باستثناء سورية، ولم يكن هنالك تحالف رسمي، ربما بسبب الرغبة في الحفاظ على مسافة من الخطاب السياسي لنظام صدام، لكن كان هنالك تحالف واضح حيث تلقى العراق دعماً مالياً وسياسياً وإعلامياً كبيراً وصل حد توجه قادة عرب لتفقد الجبهة الشرقية وإطلاق قذائف المدفعية على إيران.

في العام ١٩٩١ قادت الولايات المتحدة أيضاً تحالفاً ضم جميع الدول العربية باستثناء اليمن والأردن والسودان ومنظمة التحرير لطرد العراق من الكويت، والتحالف لم يضم إيران، لكنها بالتأكيد كانت سعيدة به لأنه أراحها من خصم لدود حاربها ثماني سنوات.

 وفي العام ٢٠٠٣ قادت الولايات المتحدة تحالف الدول الراغبة لإسقاط نظام صدام واحتلال العراق، وبعض العرب كانوا جزءاً من التحالف حيث فتحوا حدودهم وقواعدهم العسكرية لاحتلال العراق، وبعضهم مثل سورية سعى إلى إفشال الاحتلال خوفاً من أن يكون التالي على قائمة الدول المستهدفة.

في السنوات الخمس الأخيرة، كان هنالك أولاً تحالف الدول التي أسقطت نظام القذافي حيث شارك بعض العرب بطائراتهم في عمليات القصف الجوي لقوات النظام الليبي وقاموا بدعم المعارضة سياسياً ومالياً وعسكرياً حتى تمكنوا من السيطرة على طرابلس.

 وكان هنالك تحالف الدول الداعمة للمعارضة السورية والتي نظمت العديد من المؤتمرات تحت مسمى أصدقاء سورية، وجميع الدول العربية المشاركة في هذه المؤتمرات ساهمت في تحشيد الأموال والسلاح لإسقاط نظام الأسد، وجميعها خاض المستحيل لإقناع الغرب بضرورة إعلان حرب على النظام السوري كما فعل سابقاً في ليبيا. كل هذه الدول شكلت مجموعات عسكرية تابعة لها مباشرة وتخوض الحرب نيابة عنها: تركيا وقطر لهم جبهة أحرار الشام إلى جانب مجموعات أخرى، والسعودية لها جيش الإسلام ومجموعات أخرى.

شاهدنا بعد ذلك تحالف عاصفة الحزم الذي يحارب الحوثيين في اليمن منذ تسعة أشهر.

 واليوم نشاهد المولود الجديد: التحالف الإسلامي للحرب على الإرهاب. ٣٦ دولة عربية وإسلامية ليس بينها إيران وسورية والعراق تعلن الحرب على الإرهاب.

من الواضح أنه ليس تحالفاً من أجل محاربة الإرهاب وإلا لما تم استثناء إيران والعراق منه على الأقل بافتراض أن سورية عليها خلاف، لكنه تحالف موجه ضد إيران وحلفائها.

الأصل في محاربة الإرهاب هو وقف الدعم المالي والعسكري والإعلامي للمجموعات الإرهابية، لكن هذا هو آخر ما يقوم به التحالف.

حدود تركيا ما زالت مفتوحة للجماعات الإرهابية للدخول إلى سورية ومنها إلى العراق، والسلاح والأموال لا تزال تنقل للجماعات الإرهابية في سورية، والجزيرة القطرية ما زالت تقدم للقاعدة منبراً إعلامياً، والعشرات من الفضائيات الدينية لا تزال تنشر خطاب الكراهية وتبث سمومها الطائفية في العالمين العربي والإسلامي.

البعض يقول: إن هذه التنظيمات التي تتلقى الدعم ليست قوى إرهابية لكنها قوى الثورة السورية، لكن السؤال الذي يتجنب هؤلاء الإجابة عن هو كيف يمكن دعم قوى هي أسوأ من النظام نفسه وهي طرف رئيس في مأساة الشعب السوري.

المشترك بين هذه التحالفات هو التالي:

 أولاً: جميعها لم يستهدف حماية الأمن العربي المشترك ولكن إضعافه. حلف بغداد كان موجهاً ضد مصر، والتحالف ضد إيران كان يستهدف دولة فكت تحالفها مع إسرائيل وكان يمكنها، لولا الحرب عليها، أن تساهم في تعديل موازين القوى المختلة لصالح إسرائيل في المنطقة، أما التحالفات اللاحقة فقد عمقت الانقسام في العالم العربي على أسس مذهبية. ثانيا: جميعها (باستثناء تحالف الحرب على إيران الذي قادته العراق) استهدف دولاً عربية تُركت مفككة بعد الإطاحة بأنظمتها مثل ليبيا والعراق واليمن.

ثالثاً: جميعها حصل على موافقة أو مباركة أميركية وهو ما يعني أن مجال عمل هذه التحالفات لا يشمل أصدقاء لأميركا في المنطقة مثل إسرائيل، بل على العكس ربما نكشف لاحقاً أن إسرائيل كانت جزءاً من هذه التحالفات جميعها. رابعاً: وهو الأهم، أن فلسطين لم تكن يوماً أحد عناوين هذه التحالفات. لا الاحتلال الإسرائيلي الممتد منذ ستة عقود للأرض الفلسطينية أثار النخوة لإعلان تحالف من أجلها، ولا تدمير بيروت العام 1982 استفزهم لإعلان تحالف لحماية لبنان وفلسطين، ولا حصار وتجويع غزة وحروب ثلاث عليها دفعهم لذلك، ولا انتفاضات الفلسطينيين الثلاث حركت فيهم ساكناً.

هل نفهم من ذلك أن فلسطين ليست على أجندة النظام العربي الرسمي منذ عقود، ربما.

 هل نفهم من ذلك أن الهوية الطائفية لا زالت أقوى في العالم العربي من الهوية العربية الجامعة، ربما.

 هل نفهم من ذلك أن محرك هذه التحالفات من خارج دوائر العرب وصانعي القرار فيها، ربما أيضاً.

لكن هنالك سبباً أكثر أهمية من كل ذلك وهو أن محرك هذه التحالفات جميعها هو سعي الأنظمة العربية الرسمية لحماية نفسها.

 ليست الوطنية ما يحركها، ولا الطائفية المذهبية، ولا علاقاتها مع الغرب، ولكن الخوف الذي يسكنها من خسارة الحكم. إسرائيل، وبالتالي القضية الفلسطينية، ضمن هذه الحسابات لا تشكل تهديداً، لهذا لا غرابة ألا يكون لفلسطين تحالف من أجلها.

 

مقالات

كيف تصبح انتفاضة ثالثة؟

$
0
0
الاثنين, 19 تشرين اﻷول (أكتوبر), 2015

كتب الكثير خلال الأيام العشرة الماضية عن الأحداث الجارية في وسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية والأجنبية، على الرغم من قصر هذه الفترة، وبخاصة ما إذا كانت انتفاضة ثالثة، أم "هبة"، أم شيئاً آخر كلياً. ولا أريد هنا التوقف كثيراً حول التسمية، لكن هناك جانباً قد يكون من الضروري الإشارة إليه، لأنه لا يتعلق فقط بالتسمية، وإنما بجوهر الموضوع، وهو الأمر الذي سأعود إليه بعد قليل.

وأشير مباشرة إلى أن السبب الرئيسي في حيرة الكثير من المعلقين الفلسطينيين، إضافة إلى قيادة الجيش الإسرائيلي، ووسائل إعلام دولية، حول ما إذا كانت هذه الأحداث هي انتفاضة ثالثة أم لا، هو الافتراض الخاطئ أن أي انتفاضة ثالثة ستكون شبيهة بالانتفاضة الأولى أو بالثانية. هذا الافتراض الضمني أو الصريح خاطئ، لأن نموذج هاتين الانتفاضتين لن يتكرر في ظل الظروف الراهنة. فالانتفاضة الأولى وفرت مشاركة كثيفة وواسعة، لأن الجيش الإسرائيلي كان داخل المدن، أما الآن فحتى تتم المواجهة مع قوات الاحتلال، يتعين الذهاب إلى حواجز خارج المدن، الأمر الذي يقصر المشاركة على الشباب وليس الجمهور العام. أما الانتفاضة الثانية، فكانت مسلحة على الرغم من الاختلال الواضح في موازين القوى الميدانية بين الطرفين، وهذا لن يتكرر إلا في حالة انهيار السلطة الفلسطينية، حتى لو كانت هناك مواجهات مسلحة، محدودة ومحلية بين الحين والآخر.

بالتالي، ينشأ السؤال ليس فقط عن التسمية، وإنما عن كيفية فهم هذه الظاهرة التي ما زالت تنتظر تسمية تعكس ماهيتها عدا عن كونها مقاومة للاحتلال، أو احتجاجاً على اقتحام الحرم القدسي الشريف، أو أسباباً أخرى ذكرت في عدد من المقالات التي كتبت حتى الآن حول الموضوع. إضافة إلى ذلك، فإن كان نموذجا الانتفاضتين الأولى والثانية لن يتكررا، فكيف نعرف أن انتفاضة ثالثة قد اندلعت دون معيار موجود ومعروف ومقبول في بداية الحدث، وليس بعد انتهائه، ولا أحد يعرف ما هي النهاية، وكيف ستكون، وما هي نتائجها، إذا كانت لها نهاية أصلاً، أي نموذج الانتفاضتين السابقتين اللتين كان لهما نهاية . ولعلنا الآن نشاهد الانتفاضة الثالثة دون أن ندرك أنها هي، وبخاصة إذا كانت ستختلف عن النماذج السابقة بحكم التعريف، والأمر كذلك الآن. وأستذكر أن المواجهات الحالية بدأت منذ ما يزيد على العام، وفي صيف العام 2014، ابتداء من القدس، ومن ثمة في الضفة، وبقيت مستمرة وبوتيرة متقطعة وحتى الآن.

في كل الأحوال، إن القضية الأساسية تتعلق بكيفية قراءة ما يحصل، أي كيفية فهم وتفسير معنى اللحظة، والأهم من ذلك هو مستقبلها. وقد جرى التقاط بعض هذه الجوانب فيما قيل وكتب حول الموضوع، منها أنها تحتاج إلى قيادة وإلا خبت عاجلاً أم آجلاً، وأنها تحتاج إلى شعارات واضحة؛ أي مطالب محددة حتى تتم معرفة هدفها، ويُعرَف ما إذا تحققت، وآليات تحققها، وهكذا. هذه كلها آراء لها علاقة بالموضوع، ولكنها محدودة وقاصرة عن التقاط اللحظة ومستقبلها على وجه الخصوص، ولأسباب يمكن تفهمها حتى لو كانت قاصرة.

أما عن أسباب هذا القصور، فيتعلق بكيفية فهمنا للظاهرة الراهنة التي أمامنا الآن. وإذا كانت هذه الهبة أو الانتفاضة هي رفض لمسار أوسلو، وفشل حل الدولتين بعد ما يقارب من ربع قرن من المفاوضات، منذ مؤتمر مدريد في نهاية العام 1991 وحتى الآن، ورفض لأن تكون السلطة الفلسطينية بلدية كبرى لإدارة شؤون السكان الفلسطينيين المدنيين وبشكل دائم، وفي ظل السيادة الإسرائيلية، وتهويد القدس وعزلها عن القطاع وعن الضفة؛ إذا كانت كل هذا، ينشأ هنا سؤالان: الأول، ماذا يمكن أن يكون البرنامج السياسي لهذه الهبة أو الانتفاضة إزاء هذا الرفض؟ والثاني، من سيقودها في ظل الإجابة عن السؤال الأول، أي البرنامج الجديد غير المبلور بعد؟

أعتقد أن الإجابة عن السؤال الثاني أقصر وأسهل نسبياً من الإجابة عن السؤال الأول. والإجابة هي: ليست منظمة التحرير الفلسطينية في برنامجها السياسي الحالي، أي حل الدولتين. فما زال هذا برنامجاً قابلاً للتسويق السياسي عربياً وعالمياً، وأساس استمرار الشرعية الدولية للمنظمة، حتى لو أنه غير قابل للتحقيق وبالفهم الفلسطيني للدولة؛ أي ليس بحدود "مؤقتة"وداخل معازل، ودون القدس الشرقية، وفي ظل السيادة الإسرائيلية. والتخلي عنه سيكون ردة نحو ماضٍ سابق لاعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، حتى لو لم تعترف ببرنامجها، وسابق للاعتراف الدولي بها وببرنامجها. وهذا لن تقوم به منظمة التحرير كما هي الآن. ولن تكون حماس أيضاً من سيقود هذه الانتفاضة مستقبلا، ولأسباب عدة، منها برنامجها السياسي الحالي الذي يحتوي على عنصرين متعايشين مرحلياً: قبول حل الدولتين مع هدنة طويلة الأمد، وتحرير كامل فلسطين، أي غياب برنامج جديد لمستقبل هذه الهبة أو الانتفاضة الثالثة.

إذاً، ماذا سيكون البرنامج السياسي للانتفاضة الحالية مستقبلاً، بحيث يكون مقبولاً على الشباب الرافضين للواقع الراهن بمختلف جوانبه، غير المؤطرين حزبياً في الغالب، أو مغتربين عن برامج أحزابهم كما هي، ويطالبون ضمناً بنضالهم وتضحياتهم الكبيرة ببرنامج جديد، وإن كان هذا المطلب مضمراً، ولكنه بين وواضح؟

أشير ابتداء إلى أن هذا البرنامج الجديد لن يكون مقبولاً لهم، إلا إذا نُظر له وفُهم على أنه برنامج نضالي، حتى لو تعددت أشكال النضال. ولن تتمكن أي قيادة من أن تقود هذه الهبة حاضراً أو مستقبلاً دون برنامج كهذا. وأقترح أن هناك برنامجين فقط يستوفيان هذا الشرط:

الأول، وهو الخيار الذي تم التفكير فيه ملياً من قبل القيادة الفلسطينية ابتداءً من العام 2009 بعد انهيار "مسار أنابوليس"، ثم بعد ذلك في العامين 2010 و2011 على وجه الخصوص. لكن هذا الخيار كما تم، لن يعتبر عملاً نضالياً، ولن يصلح كما نُفذ من قبل القيادة الفلسطينية كبرنامج لمستقبل الانتفاضة الثالثة. ويتضمن هذا الخيار، من ناحية المبدأ، تأزيم العلاقة مع إسرائيل، من خلال خطوات عدة اصطلح على تسميتها لاحقاً "بالتدويل"، تبدأ بتقديم طلب عضوية في الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، ثم الجمعية العمومية، والانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومتابعة جرائم الحرب الإسرائيلية، من ضمن خطوات أخرى. غير أن القيادة الفلسطينية أحجمت في أكثر من مرة عن اتّخاذ خطوات تؤدي إلى صدام فعلي مع إسرائيل، إما بسبب ضغط أمريكي أو أوروبي أو عربي. وكانت القيادة الفلسطينية تدرك أن اتّخاذ مثل هذه الخطوات سيؤدي إلى رد فعل إسرائيلي متدرج من النوع الذي قامت به سابقاً، ابتداءً بوقف تحويل عائدات الضرائب المجباة لصالح السلطة الفلسطينية، وتقييد خروج بعض المسؤولين من الضفة، ومنع الرئيس أبو مازن من السفر، كما هددت بذلك مرات عدة، إلى إجراءات أشد حسب درجة تصعيد الموقف الفلسطيني. وبهذا المعنى، صرح صائب عريقات في أكثر من مرة، بأن الجانب الفلسطيني لن يحل السلطة الفلسطينية، وإنما إسرائيل ستقوم بذلك، أي في خطواتها العقابية كرد فعل على هذا المسار الصدامي للقيادة الفلسطينية، حتى لو كان دبلوماسياً وقانونياً.

غير أن هذا المسار لم يتحول إلى مسار صدامي حقاً بسبب إحجام القيادة الفلسطينية عن اتّخاذ الخطوات التي تؤثر فعلاً على إسرائيل، بسبب الضغوطات المشار إليها، ولسبب آخر وهو أن هذا المسار كان يهدف أصلاً للضغط لغرض العودة إلى المفاوضات، ربما بشروط أفضل من السابق. ولم يكن ما قامت به القيادة الفلسطينية كافياً لهذا الغرض، وبسبب عدم الرغبة في الخروج من دائرة التحالفات والعلاقات الحالية للسلطة الفلسطينية العربية والدولية، أي وضع حياة السلطة على المحك سياسياً ومالياً، والذي كان سينتهي -كما قال عريقات- بأن تحل إسرائيل السلطة الفلسطينية، أي بفعل ردودها العقابية حتى لو كانت متدرجة، إن استمر السير في هذا المسار. هذا هو مسار "التدويل"حتى الآن، ولا يوجد دليل على أن هذا النوع من "التدويل"سيأخذ بعداً نضالياً أكثر صدامية في المستقبل حتى يُقنع جمهور الشباب الرافض للواقع الراهن، إلا إذا تم الذهاب إلى نهاية الطريق، ووضع حياة السلطة على المحك. فإما أن تحل إسرائيل السلطة، وإما يتم تعديل ميزان القوة السياسي مع إسرائيل. ويبدو أن هذا مستبعد في المدى المنظور.

أما البرنامج الثاني، فينطلق من الواقع الراهن الذي يدركه الشباب المنتفض؛ سواء أكان ذلك بشكل واعٍ تماماً، أم بشكل مضمر منشأه الواقع المعاش. والواقع هو أنه توجد دولة واحدة ذات سيادة في فلسطين التاريخية وهي إسرائيل، مع حكم ذاتي محدود الصلاحيات في الضفة وقطاع غزة، لكن دون القدس، في معازل مسيطر عليها، والاستيطان مستمر، ونهب الأرض على قدم وساق في القدس وفي الضفة، ونظام الفصل العنصري قائم: طرق مستقلة للمستوطنين، قوانين إسرائيلية لهم لا تنطبق على الفلسطينيين، مصادر طبيعية منهوبة بما فيها المياه والأراضي الزراعية، وفارق كبير في مستوى المعيشة، وهكذا.

 

وأقول هنا مباشرة إنه من المبكر الآن رفع مطلب الدولة الواحدة كشعار سياسي وبرنامج وطني جديد، لأنه برنامج طويل الأمد، ولن يبدو واقعياً الآن. غير أن مطلب الدولة الواحدة لن يبدأ، وليس من الضروري له أن يبدأ جاهزاً ناجزاً كما هو. غير أن واقع نظام الأبارتهايد الذي أسست له إسرائيل، سيثير مطالبات بالمساواة، عاجلاً أم آجلاً، وبخاصة عندما تتم المقارنة بين أوضاع المستوطنين اليهود وأوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية على أكثر من صعيد. وقد شاهدنا في أيار من العام الحالي، إرهاصات مبكرة لمطلب المساواة هذا، عندما قرر وزير الدفاع الإسرائيلي موشية يعلون فصل العمال الفلسطينيين عن المستوطنين اليهود في ركوب الحافلات في الضفة الغربية، التي كان يستقلها العمال لغرض العمل داخل الخط الأخضر. وقد تراجع وزير الدفاع مؤقتاً عن هذا القرار بسبب الضجة الإعلامية التي رافقت هذا الإجراء الذي ينتهك مبدأ المساواة لصالح الفصل العنصري بصورة فجة وصارخة.

إن نظام الفصل العنصري الذي أسست له دولة إسرائيل، يشكل أحد مرتكزات حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات العالميةBDS))، التي تخشى منها إسرائيل، وتسعى جاهدة، منذ عامين تقريباً، إلى محاربتها في الدول الأوروبية خاصة، إضافة إلى الولايات المتحدة. ولم تحظَ هذه الحملة بتأييد فلسطيني رسمي أو أي دعم لها، وترك الأمر لمنظمات أهلية فلسطينية لمناصرتها، وكأن السلطة الفلسطينية لا شأن لها بهذا العمل النضالي. وكان لها فقط دعوات خجولة خافتة لمقاطعة بضائع المستوطنات، وفي فترة قصيرة فقط، بعد أن أخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً من هذه البضائع المصنوعة في الأرض المحتلة.

يوجد نطاق واسع للعمل على دعم ومساندة مشروع المقاطعة العالمي هذا، كأحد عناصر البرنامج الوطني الجديد. وهذا يلزمه تنظيم داخلي وخارجي، وهيئات منظمة لمتابعته، كما تفعل الحركة الصهيونية العالمية في مناهضته. لكن الهدف الأساسي على المدى الأطول هو المساواة. هذه هي القضية الأساسية لمشروع نضالي جديد، ابتداءً بقضايا عينية ومباشرة تؤثر على حياة المواطنين وتلامس مطالبهم وتتعلق بحقوق أساسية: الحق في المساواة في حصص المياه، الحق في السكن وتراخيص البناء في مناطق (ج) في الضفة، وفي القدس أيضا، وانتهاءً بمطلب تطبيق قانون واحد للعقوبات، وقوانين أخرى غير القوانين العسكرية التي ما زالت سارية المفعول حتى في ظل السلطة الفلسطينية، ويعتد بها أحياناً من قبل بعض الوزارات على أن لها أسبقية على القوانين التي سنها المجلس التشريعي.

وحتى دون رفع شعار الدولة الواحدة، قد يتبين أن مطلب المساواة غير واقعي كبرنامج سياسي جديد. لكن، أين هي الخيارات الأخرى، وما هي؟ ولعل من يتمكن أن يترجم هذا الشعار، أي المساواة، إلى مطالب يفهمها الجمهور ويراها حاجات مباشرة له تساعده على البقاء والصمود، هو من سيقود الانتفاضة الثالثة.

مقالات

متى سيتشكل تحالف عسكري لحماية الشعب الفلسطيني؟ د. إبراهيم أبراش

$
0
0
الجمعة, 18 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

لم يحدث في تاريخ العلاقات الدولية أن تشكَّلَ خلال فترة وجيزة هذا العدد من التحالفات العسكرية الدولية والغربية والعربية والإسلامية: تحالف دولي لتحرير الكويت 1990، تحالف دولي بعد تفجيرات سبتمبر 2001 لمحاربة الإرهاب، تحالف دولي لاحتلال العراق 2003، تحالف غربي لإسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا 2011، تحالف غربي لمواجهة تنظيم داعش في العراق 2014، تحالف عربي للتدخل في اليمن (عاصفة الحزم) 2015، تحالف دولي لمواجهة تنظيم الدولة في سوريا، حملة عسكرية روسية في سوريا 2015، وأخيرا التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب ديسمبر 2015.

لن نخوض في جدال حول الأهداف الحقيقية لهذه التحالفات والتاريخ علمنا أن الأحلاف العسكرية تبدأ تحت عنوان وهدف محدد وتنتهي إلى أمور أخرى، فمحاربة الإرهاب عنوان فضفاض ما دام لا يوجد تعريف أو توافق دولي حول الإرهاب أو مَن هي الجماعات الإرهابية. ولن نناقش مدى شرعية الأعمال العسكرية وتوافقها مع القانون الدولي والشرعية الدولية وخصوصا أن غالبية هذه الأحلاف تشكلت دون إذن من الأمم المتحدة. كما لن ندخل في تقييم ونتائج نتائج أعمال هذه التحالفات منذ إسقاطها لنظام صدام حسين إلى الآن، وماذا أنجزت من أهدافها المُعلنة، وما أنجزته من الأهداف غير المُعلنة الخ .

سُنسلم بأن هدف هذه التحالفات محاربة الإرهاب والحفاظ على السلام العالمي وحماية الشعوب في مواجهة الأنظمة المستبدة والجماعات الإرهابية، بما يتوافق مع القانون الدولي والشرعية الدولية، وسنُقِر أن من حق كل الشعوب أن تعيش حرة، وواجب على دول العالم مساندة هذه الشعوب والحركات المناضلة من اجل الحرية، ولكن ...

أين هذه الدول والتحالفات من فلسطين حيث يخضع الشعب للاحتلال منذ عقود، ومن إسرائيل التي تحتل الأرض وتنتهك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وتمارس الإرهاب بكل أشكاله داخل فلسطين وخارجها؟. وكيف يتجاهل المشاركون في هذه التحالفات أن نفس الشرعية الدولية التي يبررون تحالفاتهم بها تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهناك عديد قرارات الشرعية الدولية التي تطالب بمساندة الشعب الفلسطيني وحقه بمقاومة الاحتلال وتقرير مصيره بحرية، وقد صوتت 177 دولة قبل شهر مؤكدة على هذا الحق، والمقاومة ضد الاحتلال ودفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه جزء أصيل من حق تقرير المصير،وهو حق انتقل للدولة الفلسطينية تحت الاحتلال التي أصبحت عضوا مراقبا في الأمم باعتراف غالبية دول العالم .

الشرعية الدولية نفسها التي يعتمد عليها الحلفاء للتدخل في أكثر من دولة عربية تعترف بأن إسرائيل دولة احتلال وأن الضفة الغربية وقطاع غزة أراضي مُحتلة، وهناك قرارات دولية تطالب بانسحاب إسرائيل من هذه الأراضي، ونفس الشرعية الدولية تمنح الفلسطينيين الحق باللجوء لكافة الوسائل لمقاومة الاحتلال بما في ذلك الكفاح المسلح. وانصياعا وحفاظا على السلام العالمي التزم الفلسطينيون بعملية السلام وبخطة خارطة الطريق. مقابل ذلك انتهكت إسرائيل القانون الدولي والشرعية الدولية، وانقلبت على الاتفاقات الموقعة وما زالت مستمرة في احتلال الأرض وهدم البيوت وتدنيس المقدسات ومحاصرة شعب بكامله، وتمارس كل أشكال الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني!.

الحق بمقاومة الاحتلال ليس بدعة فلسطينية بل مبدأ قانوني وأخلاقي وإنساني نصت عليه كل الشرائع الدولية والوضعية والدينية، كما أن الاستعمار نهج نبذته أمم العالم وأكدت عليه الأمم المتحدة في ميثاقها وفي مواثيق وقرارات وتوصيات لاحقة للميثاق. ولأن كل دول العالم باتت اليوم تبرر تصرفاتها وسياساتها الخارجية بأنها تندرج في إطار القانون الدولي والشرعية الدولية ومحاربة الإرهاب، فموقف الشرعية الدولية من الاستعمار ومن حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال واضح وموثق في نصوص وقرارات عديدة، وإسرائيل الدولة الاستعمارية الوحيدة المتبقية في العالم، والإرهاب الصهيوني نهج متواصل ولم يتوقف منذ 1948 حتى اليوم، وقد أقرت لجان تحقيق دولية أن إسرائيل تمارس جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

إنه مما يتجافى ليس فقط مع الشرعية الدولية بل ومع العقل والمنطق أن تتشكل تحالفات لمواجهة أنظمة مستبدة، ولا تقوم بالأمر نفسه لمواجهة دولة احتلال، فأيهما أكثر خطورة، احتلال أرض وسلب حرية شعب بكامله؟ أم خضوع شعب لنظام استبدادي؟. وإذا كانت الأنظمة الاستبدادية، من وجهة نظر دول التحالفات، صنعت جماعات العنف ومسئولة عنها فإن الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية زعزعة الاستقرار في المنطقة وعن عنف الفلسطينيين، لأن عنفهم يندرج في إطار حق الدفاع عن النفس.

فهل يُعقل أن تتحالف دول العالم الغربي والشرقي والإسلامي وتتدخل لمحاربة جماعات إرهابية وتتجاهل الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، وخصوصا أن الممارسات والسياسات الإسرائيلية مسئولة أيضا عن الإرهاب المنتشر في العالم ؟ ومتى سيتشكل تحالف عربي أو إسلامي أو دولي لحماية الشعب الفلسطيني وللتصدي للإرهاب الصهيوني ولإنهاء الاحتلال؟.

قد تتذرع بعض الدول وخصوصا العربية والإسلامية بالانقسام الفلسطيني لتبرير تقصيرهم في دعم مقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني، وفي تبرير غياب حتى التفكير بتشكيل تحالف عسكري لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ! ونقول لهؤلاء إنهم تدخلوا في سوريا والعراق وليبيا واليمن، منفردين ومن خلال تحالفات عسكرية، في ظل انقسام قوى المعارضة التي تحارب إما النظام أو الجماعات (الإرهابية) أو بعضها البعض، وبرروا تدخلهم بأنه دفاع عن الشعب وعن قضية عادلة وليس عن جماعة أو حزب بعينه، والقضية الفلسطينية من اعدل القضايا الإنسانية والدولية، والانقسام الفلسطيني ليس بدرجة وخطورة الانقسام في سوريا أو ليبيا مثلا .

مقالات

من سيربح الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

$
0
0
السبت, 19 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

تشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية حالة مقززة من "الإسلاموفوبيا"لدى بعض المرشحين الجمهوريين، مخالفة للأسس التي بني عليها المجتمع الأميركي. ففي الأسابيع القليلة الماضية، طالب المرشح الجمهوري المتقدم في استطلاعات الرأي دونالد ترامب، أولاً، بسجل خاص لكل المسلمين في الولايات المتحدة، بمن في ذلك المواطنون والمواطنات الأميركيون المسلمون. ثم ألحق ذلك بمطالبته عدم إدخال أي مسلم للولايات المتحدة. في حالة تذكر بما فعلته أميركا بمواطنيها من أصل ياباني، حين وضعتهم تحت الإقامة الجبرية في معسكرات خاصة بعد هجوم "بيرل هاربر"إبان الحرب العالمية الثانية. وحتى المرشحون الجمهوريون الآخرون انتقدوا هذه المطالبة بقوة، والتي تفوح منها رائحة العنصرية البغيضة ضد المسلمين.

كيف تطورت الانتخابات الرئاسية الأميركية حتى وصلت إلى وضع بتنا نرى فيه أشخاصا في غاية التطرف، أمثال ترامب، يتبوأون صدارة مرشحي حزبهم؟

لقد اتجه الحزب الجمهوري تدريجياً، عبر العقود الماضية، نحو المحافظة المتشددة، حتى أصبح في خانة ضيقة من حيث عدم قدرته على استمالة شريحة واسعة من الناخبين، بمن في ذلك النساء والأميركيون من أصل لاتيني (باتوا يشكلون 17 % من السكان) والأميركيون من أصل أفريقي (13 % من السكان) واليهود (الذين لا يصوتون فقط بناء على دعم مرشح لإسرائيل، ولكن لقضايا اجتماعية واقتصادية متعددة، ومعظمهم مؤيدون تقليديون للحزب الديمقراطي بنسبة 70-80 %). ويعني ذلك أن الحزب أصبح بشكل متزايد حزب الرجال البيض، الذين تتناقص نسبتهم في المجتمع تدريجياً.

بعد ظهور "حزب الشاي"ذي الاتجاهات المحافظة في السنوات الأخيرة، والذي بات ينافس الحزب الجمهوري من داخله على كسب أصوات الاتجاه المحافظ في المجتمع، تسارعت عملية اتجاه الحزب الجمهوري نحو اليمين المتطرف، حتى أصبح مرشحه الرئاسي في وضع يحتاج فيه إلى اتخاذ مواقف متطرفة لكسب ترشيح الحزب. لكن المواقف المتطرفة ستعمل ضده في الانتخابات العامة، لأن المجتمع الاميركي وسطي بغالبيته في مواقفه من قضاياه الداخلية. طبعاً، انتخابات الكونغرس تختلف، لكونها تعتمد على عوامل أخرى، بينها التقسيمات الجغرافية والتوزيعات الديمغرافية وغيرها. وهذا التحليل يقتصر على الانتخابات الرئاسية، حيث أصبح المرشح الجمهوري في وضع يصعب عليه النجاح في الانتخابات بسهولة، إلا بسبب ظروف خاصة، كالتهديد الأمني الذي شعرت به الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تنظيم "داعش"لا يمثل للأميركيين مثل هذا التهديد الأمني، حتى بعد الحادث الإرهابي الأخير الذي أودى بحياة أربعة عشر شخصاً في كاليفورنيا. وقد صرح بذلك مراراً الرئيس أوباما.

هناك عامل مهم آخر تطور عبر العقود الماضية، وهو أن الانتخابات الأميركية أصبحت مكلفة جداً، إذ يحتاج المرشح لأكثر من مليار ونصف المليار دولار لخوض الانتخابات، وهو مبلغ خيالي. وقدرة المرشح وحزبه على جمع مثل هذه الأموال لها تأثير كبير على الفائز، وليس فقط مؤهلاته القيادية مثلاً.

أما بالنسبة للشرق الأوسط، فإن الأغلبية الساحقة من الأميركيين من الاتجاهات كافة، لا تريد تدخلاً عسكرياً برياً بعد تجربة الحرب على العراق. ولذلك، لن تختلف كثيراً سياسة من سيخلف أوباما عن سياسة الإدارة الحالية بشأن الموضوع السوري مثلا، أو في الحرب على "داعش"، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات.

خلاصة الموضوع أنه باستثناء حدث جلل في السنة المقبلة، فأياً من يفز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لن يستطيع استمالة أغلبية الشعب الأميركي (والأغلبية هناك تحسب ببضع نقاط مئوية فقط، وليست أغلبية 99 % التي اعتدنا عليها في المنطقة). وإذا ما أضفنا إلى ذلك القدرة التنظيمية والتمويلية الهائلة التي تمتلكها هيلاري كلينتون بمساعدة زوجها، وعدم وجود منافس فعلي لها داخل الحزب الديمقراطي، فإن الرئيس الأميركي المقبل هو هيلاري كلينتون.

مقالات

هل يفرمل أردوغان إنزلاقته أم يتهاوى ويسقط ؟

$
0
0
الاثنين, 14 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

بلا ريب أن تركيا أحرزت نجاحات باهرة في عهد حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الذي أمسك الحكم في 2003. ولئن استخدم الإعلام تعبير “المعجزة الاقتصادية التركية” فقد شملت القفزة كافة الميادين.

وبلغة الأرقام, كان الإنتاج القومي التركي 400 مليار$  سنوياً عام 2003 فأصبح 800 مليار وأكثر بما وضع تركيا في الترتيب 16 عالمياً. وهذا انعكس بداهة على دخل الفرد سنويا الذي كان أقل من 4 آلاف$ فأصبح 11 ألفاً والأجور ارتفعت بنسبة 300% كما تم تسديد المديونية التراكمية التي بلغت 300 مليار$.

وفيما أغلقت أوروبا بواباتها أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة, كتب الأكاديمي أوغلو الذي أصبح رئيساً للحكومة كتاباً عن عودة تركيا لمحيطها الجغرافي والتاريخي, بل واستقبلت تركيا استثمارات أوروبية كبيرة تصل 70% من الاستثمارات الكلية وأكثر من 5 مليار$ من الخليج العربي, وفتحت شواطئها ومراكزها التراثية وجمال بلادها للسياحة التي تجاوزت 20 مليون سائح سنوياً بينهم 4.5 مليون روسي ينفقون سنوياً 10 مليار$.

وانتعش قطاع الصناعة والخدمات والزراعة ووصل حجم الصادرات سنوياً 150 مليار$ بينما كان مجرد 25 مليار واتسع مع العرب ليصل 50 مليار, فيما الاستثمارات التركية في حلب وحدها 7 مليار$.

وهذا بداهة, صاحبه, نهضة في قطاع التعليم وبناء عشرات الجامعات ومثلها مستشفيات وبنية تحتية عصرية ومطارات ضخمة وصولاً إلى صناعة سيارات ودبابات وطائرات دون طيار وأقمار صناعية وتشجير مساحات هائلة بأشجار مثمرة واحراج.

وهذه الإنجازات استقطبت الرأي العام التركي فصّوت لحزب أردوغان الذي بات يشكل الحكومة منفرداً, والمضي في بناء دولة مؤسساتية وصولاً إلى إزاحة وصاية الجيش دون المساس “بعلمانية الدولة وديمقراطيتها”.

لقد قطعت تركيا شوطاً كبيراً في بناء دولة برجوازية قومية, بما في ذلك تأمين تعليم مجاني, حتى أنها فتحت أسواقها للأيدي العاملة الأجنبية, وصولاً إلى هدنة طويلة مع حزب العمال الكردستاني اليساري.

وأصبحت تركيا “صفر مشاكل” حسب اللغة الدارجة.

انزلاق أردوغان

ما الذي حدث في الأعوام الأخيرة؟؟

كشفت بروفيسورة أمريكية  في مقال لها منذ ثلاثة أعوام أن أردوغان قام بزيارة لواشنطن قبل نحو خمسة أعوام وبصحبته القائد في الأخوان المسلمين “الشاطر” المعتقل اليوم في السجون المصرية. والملخص أن أردوغان قال “الشرق الأوسط إسلامي, فأما أن يحكمه بن لادن أو الإسلام المعتدل الذي يمثله الأخوان المسلمون”.

ومثل هذا التقدير الاستراتيجي لم يكن دون أساس. إذ أعلن المعارض السوري ميشيل كيلو (أن الأخوان المسلمين يشكلون 40% من الائتلاف الوطني) وفاز الأخوان المسلمون والاتجاه السلفي بثلاثة أرباع مجلس الشعب بعد خلع مبارك, وبالمركز الأول الذي سمح لكيران بتشكيل الحكومة المغربية, مثلما فاز حزب النهضة التونسي (إسلامي دون عضوية في الأخوان) بأغلبية بعد الإطاحة ببن علي, وحصلت حماس على 44% من الأصوات في انتخابات التشريعي فيما حصلت فتح على 42% في القائمة النسبية.

وفي الأردن يعتبر الأخوان القوة المنظمة الأولى وهذا حالهم في اليمن, غير أن “السياسة جبر لا حساب” على رأي دوبريه, وفيها المجهول كما أن خرائطها ليست ثابتة.

التدخل التركي القوي في الأزمة السورية

روجت وسائل الإعلام في السنة الثانية للأزمة للخطة أ و ب و ج لاجتياح المعارضة لدمشق, وحفزتها تقديرات “متفائلة” أن النظام على أبواب سقوط… والمعارك الطاحنة حصدت دماراً رهيباً وخسائر بشرية ومآسي إنسانية تفوق الوصف وصولاً إلى هجرة نحو 5 مليون إلى لبنان والأردن وتركيا…ومثلهم وأكثر نازحون داخل الأراضي السورية.

وكانت تركيا حاضنة للمعارضة وتقاطعت هنا مع المحور الأمريكي / الأوروبي/ القطري/ السعودي. غير أن النظام لم يسقط وفي مناطق سيطرته يعيش نحو ثلثي الشعب السوري.

وطرأت تحولات جذرية على القوى المناهضة للنظام, إذ اتسع نفوذ “القاعدة” وفي العام الأخير تمددت “داعش” (بما لهما من جذور مشتركة, وهما معاً “يكفران” الأخوان المسلمين) وتدفق “المجاهدون” من عشرات الدول (اعترف الأمريكان مؤخراً ب60 ألف جهادي من 100 دولة في سوريا والعراق) بمصفحاتهم  الحديثة باللون الفضي وكأنها حرجت من مصانعها للتو, وكانت تركيا “ممراً ومستقراً” بل وفي المناطق الحدودية يتمركز اليوم نحو 10 آلاف جهادي غالبيتهم من الشيشان وداغستان والصين حيث يتموضع أيضاً التركمان (سوريون من أصل تركي) بقواتهم المسلحة.

وعليه لم ينحصر الرهان التركي على الأخوان وقوى المعارضة السورية, بل ذهب أيضاً إلى الرهان على حركة الجهاد العالمي.

وبصرف النظر عن اتهام تركيا بدعم الدواعش والقاعدة, ونفي تركيا لذلك, “فالجهاديون” كانوا يمرون من تحت أعين المخابرات التركية, وهناك الكثير من المقابلات الصحفية تمت معهم في أنقرة واستانبول, كما أن تهريب النفط العراقي والسوري (مصدر تمويلي لا تقل عوائده عن مليار دولار سنوياً) يمر عبر الأراضي التركية.

وعلى أقل تقدير يمكن استخدام قاعدة ( عدو عدوي صديقي) أو مقولة تشرشل “أتحالف مع الشيطان”, دون تجاهل تحليلات أخرى تذهب لمساحات أخرى, من بينها قلق تركيا من النزعة الاستقلالية الكردية وسعيها لقطع الطريق على هذه الدينامية التي يمكن أن تشمل كرد العراق وتركيا وسوريا, علماً أنها تحافظ على علاقة جيدة مع كرد العراق وتحديداً الحزب الديمقراطي بزعامة البرازاني.

كما لا يمكن إنكار تسليح تركمان سوريا وتطلعات تركيا أن يكون لها نفوذ في شمال العراق وسوريا.

ومن جهة أخرى لقد فتحت تركيا حدودها للاجئين السوريين بما فيهم الكرد الذين فروا من أرض المعارك, سواء معارك المعارضة مع جيش النظام أو اقتتال المعارضات فيما بينها وبشكل أخص بين داعش والكرد (الاتحاد الديمقراطي-اليساري) وبين داعش وسواه من جيش الشام المكون من عدة قوى.

والتقديرات التي كانت تقول أن اللجوء مؤقت ذهبت أدراج الرياح, فمخيمات اللاجئين باتت أكثر ثباتاً بما تتطلبه من تعليم وعلاج وعمل.  قالت تركيا أنها أنفقت عليها أكثر من 3 مليار دولار وأنها تضم 2 مليون نسمة.

أما محاولات تركيا إقامة منطقة عازلة أو أمنة فلم تحظ بتأييد أحد ومعروف أن الحدود التركية السورية تمتد على 900 كم أغلبيتها امتدادات كردية. ومع الدخول الروسي لم يعد لهذا المسعى أي فرصة, ونفس الشيء بالنسبة للإطاحة بالرئيس الأسد الذي أنتقل جيشه وحلفاؤه للهجوم في الشهرين الأخيرين.

أما “تصدير” مليون سوري لأوروبا, فقد استوعبت أوروبا هذا العبء بصرف النظر عن المأساة السورية ومأساة “قوارب الموت وعابرو الحدود” فأوروبا هي شريك في خلق الأزمة السورية, ولن يضيرها وهي التي يقطنها 500 مليون نسمة  أن يضاف إليهم مليون رغم أزمتها الاقتصادية ومديونيتها التي ناهزت 10 تريليون دولار… وهي تعترف اليوم أن هنالك أكير من 3 آلاف داعشي أوروبي في سوريا بل وتستضيف الورش الأكاديمية وأهل الرأي لتحليل أسباب هذه الظاهرة دون تحميل أجهزة مخابراتها أو سياساتها التهميشية للمسلمين ايه مسؤولية.

وتلخيصاً : لقد أخفقت السياسة التركية في سوريا. وان كانت الكارثة الكبرى قد عادت على السوريين, فثمة خسائر تركية أيضاً, وحتى الأرباح المحدودة التي استفادت منها أوساط تركية  من تجارة النفط مع داعش, فالأمور تسير باتجاه إغلاق هذه لبوابة, إضافة للخسائر المباشرة لأكثر من 3 مليون تركي كانوا يستفيدون من التجارة مع سوريا قبل اندلاع أزمتها الكبرى, سيما القرى الحدوديه ناهيكم عن توتير علاقتها مع حكومة بغداد التي اعترضت على تمدد قوات تركية في الأراضي العراقية.

الاشتباك المفتوح مع حزب العمال الكردستاني

منذ آذار 2013 توصلت السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني لهدنة مستقرة, وما أن تعرضت أنقرة لتفجير مزدوج قتل العشرات من الأكراد من أنصار حزب الشعوب الديمقراطي, أعلن أردوغان الحرب على حزب العمال الكردي, علما أن داعش هي من أعلنت مسؤوليتها عن التفجير.

وسقطت الهدنة وعاد السجال بالرصاص والدم وقصف الطائرات, وجاء هذا في سياق الإعداد لانتخابات مبكرة بعد أن فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية أو التحالف مع أحد من الأحزاب الثلاثة الفائزة, أو تحالف هذه الأحزاب الثلاثة لتأمين النصاب لتشكيل حكومة.

ودخل النظام السياسي في أزمة تهدد استقرار تركيا. ولكن الشعب التركي صوّت لاردوغان بحثاً عن الاستقرار وفاز حرب العدالة والتنمية, غير أن سياسة فتح الجروح مع الأكراد استمرت كما سياسة تركيا في سوريا والعراق حيث اقتربت بغداد من إيران فيما اقتربت تركيا من الإقليم الكردي.

المواجهة مع الروس

ما قبل إسقاط الطائرة الروسية التي تمنى اردوغان لو أنها لم تحدث, سمح بنصب “الدرع الصاروخية” الأمريكية التي تهدد روسيا استراتيجياً, وأصطف في المحور الأمريكي-الأوروبي-السعودي-القطري لإسقاط نظام الأسد حليف روسيا وإيران بعد رفض الرئيس الأسد عام 2009 السماح بمد أنبوب للغاز من قطر إلى السعودية-الأردن فسوريا الى أوروبا لتوجيه ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي الذي يزود أوروبا بالنفط والغاز.

وما تشكله تركيا من ممر للجهاديين بما فيهم 4 آلاف قوقازي من أصل روسي يمثلون تهديداً حقيقياً للأمن القومي الروسي.

أي أن المسألة كبيرة وتتجاوز الطائرة أو أن القاذفات الروسية تقصف “جبل التركمان” أو صهاريج النفط. وفي اليوم التالي لإسقاط الطائرة لجاً ارودغان لحلف الناتو, أي الاستقواء بالحلف الذي يحاصر روسيا و ينصب الفخاخ لها في أوكرانيا والصواريخ الإستراتيجية حول حدودها, وتقديرات بوتين المعلنة “أن أمريكا تحاول إسقاط الدولة الروسية” كمقدمة للعبث بالساحة الصينية الداخلية والهيمنة على العالم, وهذه أحلام أشبه بالأوهام والذي يراهن عليها انما يراهن على حصان خاسر.

وكان حجم المبادلات التجارية الروسية-التركية عام 2014 أكثر من 40 مليار دولار, وهناك اتفاق على مد أنبوب الغاز من روسيا إلى تركيا فأوروبا وبناء مفاعلات نووية بتكنولوجيا وتمويل روسيين في تركيا وسياحة نشطة ومئات الشركات التركية العاملة في روسيا, كل هذا بات في مهب الريح.

ويساورني اعتقاد أنه لا يزعج أمريكا بتاتاً اشتعال أزمة بين روسيا وتركيا أو بين إيران وتركيا, فهذا كله يجعل امريكا أكثر قوة وتأثيراً وهي التي تشهد تراجعاً في تأثيرها إقليمياً وعالمياً وبشكل أخص في الشرق الاوسط والقارة اللاتينية فيما تصعد قوى عالمية جديدة (محور البريكس المكون من روسيا,الصين,الهند,جنوب افريقيا,البرازيل).

مصر

كما سوريا والعراق, فمصر كانت بحاجة لطرف “محايد” لا يصطف في محور ضد محور, فالاصطفاف يصب الزيت على النار, وكانت تركيا القوة الإقليمية الصاعدة مؤهلة حينما كانت “صفر مشاكل”  غير أن اردوغان ذهب مذهب أخر. و لم يسقط نظام السيسي, بصرف النظر عن التفاصيل.

فالعرب من المحيط إلى الخليج بحاجة”للحظة سلام” وأي تدخل خارجي بساعد على ذلك سوف يربح ويربح العرب, أما اشعال النيران وتمزيق البلاد والعباد فلن يربح منه أحد, بل ومهّد ذلك لمخرج لم يعرف له التاريخ مثيلاً هو( الدولة الإسلامية), التي لا تعترف بحدود أو سيادة. بل وليس لها وزير خارجية للتباحث معه ولا تتردد في التفجير في أي مكان ضمن سياسة إدارة التوحش وهذا لن ينأى عنه أحد.

لم يفت الأوان

إن سياسة اردوغان, وهو القائد القوي في تركيا, تتدحرج في منزلق, ويمكن أن يعيد هذا المنزلق إنتاج نفسه بوتائر أبعد, مثلما يمكن أن يفضي لمراجعة وتمحيص من منطلق المصالح التركية ومصالح الغير وتقليص الأضرار على الجميع وخدمة الجميع.

ثمة مربع ذهبي يمكن الإمساك به. ففي الأمس القريب نجحت تركيا, ونجاحها عاد بفوائد متبادلة مع سوريا وروسيا وإيران والعراق وفلسطين ولن يكون الغاز القطري أو الإسرائيلي أو أوروبا وأمريكا بديلا وخياراً أفضل.

وجدير الإشارة أن معدلات النمو القومي كانت  2.5  قد تراجعت إلى 1.6 وأن الليرة التركية خسرت ليس أقل من 15% من قيمتها السوقية, والتناقضات في الساحة الداخلية في تفاقم أما على صعيد أهم البلدان المجاورة فحدث ولا حرج مع احتمالات أن تتفاقم الأمور مع روسيا وإيران.

مقالات

معبر رفح في رقبة «حماس»...

$
0
0
الاثنين, 21 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

قصة اغلاق معبر رفح، بين قطاع غزة ومصر، لم تعد قصة عادية او قضية يمكن معالجتها بالصبر، او بصمود الاطراف المعنية على حساباتها الخاصة.

 فلقد تحولت الى عنوان صغير لمأساة عميقة، تضرب كل المجتمع الفلسطيني بمختلف فئاته.

انها قصة مرضى لا علاج لهم في قطاع غزة ويحتاجون الى علاج خارج القطاع. وهي قصة آلاف الطلاب المقبولين في جامعات خارج فلسطين وينتظرون الالتحاق بجامعاتهم، او هم طلاب مداومون في جامعات اخرى، وقد عادوا للزيارة فلم يعودوا قادرين على استكمال تعليمهم، قصة المعبر هي قصة موظفين او مستثمرين عادوا للزيارة وقد اصبحت اقاماتهم وحقوقهم مهددة، وهي قصة عائلات ترغب في الالتحاق برب الاسرة، هي قصص انسانية لا حصر لها، تكشف عن عمق معانيات مليون وثمانمائة الف مواطن، مقفلة امامهم الطرق والسبل للاتصال والتواصل مع العالم الخارجي.

الشعب الفلسطيني موزع بين مئات الدول، وقد تجد عائلة واحدة موزعة على عديد الدول، ما يجعلهم بحاجة الى تواصل ولو متباعدا زمنيا، لكن اجراء الدول الخاصة بالفلسطينيين يجعل هذا التواصل صعبا ومعقدا للغاية.

 بعد الحرب الاسرائيلبية التي وقعت في العام الماضي على قطاع غزة، واعمال المقاومة المفاجئة والباهرة التي قدمتها المقاومة، وما خلفت تلك الحرب من دمار شامل، ومن آلاف الشهداء والجرحى، بعد تلك الحرب البشعة، كنا نعتقد أن كل فلسطيني يستحق ان يتجول بين الدول دون جواز، ودون اية عقبات، وان يحظى باحترام شديد يجعله مرفوع الهامة والقامة.

 في الواقع كان التعامل مع الفلسطيني وخصوصا سكان قطاع غزة، وكأنه متهم، او انه يحمل امراضا معدية يستحق بسببها الحجر الصحي والعزل، او انه مشروع مخرب عفوي يمكن ان يقوم بعمل ارهابي في اي مكان تطؤه قدماه. اشتد الحصار على قطاع غزة بعد تلك الحرب، وبات الداخل اليه مفقودا والخارج منه مولودا، وبحسب الفترات الزمنية الطويلة جدا، بين كل مرة يتم فيها فتح المعبر، فإن عدد المواليد لا يتجاوز المئات، قد لا يعرف الكثيرون ان القلة الذين يحظون بفرصة الخروج او العودة من والى قطاع غزة، يصلون وهم مرضى ومتعبون الى حد الارهاق لان الرحلة تستغرق اربعا وعشرين ساعة، مع معانيات الانتظار والازدحام والخوف على امكانية المرور.

 لا اعرف سبباً، لامتناع شركات الطيران العالمية عن نقل المواطنين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، الا وقت فتح معبر رفح، فلماذا لا يحق لهم السفر الى مصر، والبقاء فيها مع مراعاة القوانين الى حين فتح المعبر، او حتى دون فتح المعبر، علينا ان نتخيل نوع وحجم المشكلات التي يعاني منها مواطن فلسطيني انتهى تصريح زيارته في بلد ما وهو مضطر للسفر، فلا يجد مكانا يتوجه اليه؟

 والآن لماذا يخضع المعبر، للحسابات السياسية والخاصة، وتجاهل الابعاد الانسانية والحقوقية للبشر، اذا كانت مصر دولة ذات سيادة ولها الحق في ان تتخذ ما تشاء من اجراءات لضمان سلامة البلاد والعباد، فإن المسؤولية تتجه نحو الفلسطينيين، اصحاب السلطة  والقرار، نعلم ان قصة المعبر قد دخلت مرحلة الاستعصاء ذلك ان العلاقة بين حركة حماس ومصر في اسوأ احوالها، ولا تسمح بحوار مجد يمكن ان يفضي الى اتفاق بفتح المعبر حتى لو تطوع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مشكورا بالدعوة لفتح المعبر.

 حتى الآن لم يتوقف البحث عن حلول لازمة المعبر، ولكن كل هذه المحاولات لم تصل الى اية نتيجة ويبدو انه من غير الممكن العثور على صيغة تقبل بها الاطراف الثلاثة مصر والسلطة الوطنية وحركة حماس.

تصر مصر على التعامل مع السلطة الوطنية، وترفض اي وجود لحركة حماس على المعبر وعلى الحدود الفاصلة وتصر السلطة الوطنية على تسليم حركة حماس للمعابر دون تواجد لاي عنصر من الحركة فيما تصر حركة حماس على الا تتخلى عن وجود موظفيها على المعبر، لاسباب عديدة من بينها ان الموقف له علاقة بمصداقية تطبيق مبدأ الشراكة.

تخشى حماس من ان تسليم المعبر، سيشكل خطوة اخرى بعد تسليم حكومتها لحكومة الوفاق، وبأن السلطة ستستمر في ابتزاز المزيد من التنازلات دون تحقيق اي تقدم في عملية المصالحة.

لكل طرف اسبابه وذرائعه، ان كانت وجيهة او غير مفهومة ولكن المحصلة هي ان معبر رفح سيظل مغلقا في غياب الشعور بالمسؤولية عن احتياجات وهموم المواطن الفلسطيني المطحون والذي تطلب منه كل الاطراف الصمود والتحدي، دون ان تقدم له اية مساعدة لتعزيز صموده واستعداده للتضحية.

الفصائل من خارج حركتي حماس وفتح قدمت مبادرة مهمة كان الاحرى مناقشتها والتعامل معها بشكل ايجابي لكن الردود جاءت سلبية وغير محتملة، في الواقع وبعد فحص كل الخيارات والاحتمالات، والسيناريوهات التي يمكن ان تؤدي الى فتح المعبر، لم تجد سوى اقتراح واحد يحظى بالاولوية وهو ان تبادر حماس الى الاعلان عن استعدادها لتسليم المعبر بالكامل للسلطة الوطنية، وان تحفظ حقها كسلطة فعلية قائمة في غزة، من خلال صيغة شبيهة بما يتم اعتماده على معبر بيت حانون، داخل المعبر بادارة حرس الرئيس او من يتم انتدابه من قبل السلطة، وتقيم حماس نقطة خارج المعبر تتابع من خلالها ما تراه حقا لها. في كل الاحوال اذا كانت مصر مسؤولة والسلطة مسؤولة، فإن حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة هي المسؤولة مباشرة عن التصدي لهموم الناس واحتياجاتهم في القطاع.

مقالات

حول الإنتفاضة والبقاء المقاوم

$
0
0
الاثنين, 21 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015

رغم عبور الإنتفاضة الراهنة ، بمدِّها وجزرِها ، شهرها الثالث ، ورغم قوة وضوح رسالة شبانها برفض الانصياع والخضوع لمخططات الاحتلال، وفشله في تحقيق ما يسمى ب “كي وعي الفلسطينيين”، فإن الأقوال والبيانات اللفظية والمتناقضة بادعاء دعمها أو مساندتها لم تتجاوز”وصف الحال” وكأن المسؤولية عن تطويرها وتوفير عوامل استمرارها وتوسيع نطاق المشاركة فيها تقع على عاتق آخرين غير معلومين.

السؤال الجوهري والتحدي الأساسي أمام الجميع ما زال يتركز حول كيفية توسيع المشاركة، و ما هي الآليات القادرة على تحقيق ذلك، و تلك التي تُحِّصنها من الانزلاق نحو العسكرة.

بداية، لابد من الإقرار أن دوافع الشباب و انتفاضهم عل الواقع تعود لأسباب موضوعية تعاني منها الاغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، واذا كان ذلك صحيحاً إلى حد كبير ، فإن الاولوية تكمن في كيفية بلورة الأسس و الآليات الكفيلة بإنخراط الفئات الأخرى من هذه الأغلبية الكاسحة، والتي تتردد حتى الآن في المشاركة لعوامل متعددة . وهذا ما سأحاول الإجتهاد في الإجابة عليه في هذا المقال محاولاً الإستفادة من تجارب ودروس الإنتفاضة الأولى ، والتي تميزت ، و ضمن أشياء أخرى عديدة ، بمجابهة الوجود العسكري المباشر لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مراكز المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية، إلاّ أن الأهم والذي مكَّن الإنتفاضة من توسيع تلك المشاركة الشعبية تلخَّص في نجاح قيادتها الوطنية الموحدة في بلورة أهدافها المباشرة المستمدة من التناقض الحاد بين جميع فئات الشعب المختلفة وبين قوة الاحتلال وسياساته وإجراءاته، والتي لم تسلم منها أي فئة اجتماعية، وبالتاكيد فإن السمة العامة لهذا التناقض مازالت ماثلة وواسعة جداً.

فجوهر السياسة الاسرائيلية ، والتي تنطلق من رفض الإعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره وبناء مستقبله على أرض وطنه، تكمن أساساً في مصادرة مقومات قدرته على البقاء والحياة عليها، ودفعه للرحيل عنها، خاصة في القدس والمناطق المسمّاة (ج)، وذلك تمهيداً لمصادرتها وضمها.

وفي هذا السياق تحديداً تأتي سياسة إطلاق يد المستوطنين، وتركز جرائمهم وإرهابهم أساساً في هذه المناطق. وإذا كان هذاهو الحال، فإن من الطبيعي أن يتمحور النضال الوطني وينطلق، من قبل كافة الجهات والقطاعات الرسمية والشعبية والأهلية والقطاع الخاص ، من هذه القاعدة ، و في إطار رؤية متكاملة لمفهوم البقاء المقاوم، وتحدى سياسة الاحتلال بكافة الأشكال لفرض وقائع تتحدى سياساته وإجراءاته بأوسع مشاركة شعبية، بما في ذلك الخروج التدريجي والمتسارع من قيود أوسلو وتصنيفاته، وعلى مختلف الأصعدة الأمنية والادارية والاقتصادية.

بهذا الفهم يمكن تنفيذ المراجعة المطلوبة في المهام والأولويات بصورة عملية كفيلة بتوفير عوامل الصمود وتحويل استراتيجية البقاء المقاوم والانتفاضة الى حالة شعبية عارمة تنطلق من المصالح المباشرة للقطاعات الاجتماعية المختلفة، والتوزيع العادل لأعباء المواجهة مع سياسات الاحتلال. في إطار هذه الرؤية لا بد من التوقف أيضا حول مدى تَكُّيف دور مختلف المؤسسات الرسمية والاهلية والاقتصادية لخدمة هذه الأجندة الوطنية، وإعادة تحديد أولوياتها ومهماتها بما يساهم في تعزيز صمود شعبنا خاصة في القدس والمناطق الريفية والمهمشة والمستهدفة من المشروع الاستعماري التوسعي الهادف الى مصادرة الأرض وسبل الحياة عليها. فمجمل الحالة الوطنية ، بما في ذلك الانتفاضة الراهنة نفسها، باتت أمام خيارين ، يتمثل الأول بالنهوض على قاعدة الانتفاضة، والتقدم نحو إنهاء عبث الانقسام وإعادة بناء الثقة بين الشعب و نظامة السياسي المُوحَّد على أساس برنامج كفاحي ، و إطلاق المشاركة السياسية القائمة على التعددية في جميع مكونات النظام السياسي وفي العلاقة مع الناس سيما الشباب والمرأة، وأما الخيار الثاني فهو استمرار اتساع الفجوة وغياب الثقة بين الناس و القيادة السياسية المنقسمة، بما يحمله ذلك من عواقب وخيمة. و في كل الأحوال فإن توسيع المشاركة الشعبية والاقتراب من نبض الناس والإستجابة لمصالحهم وإحتياجاتهم سيُسهم بالتأكيد في تغليب الخيار الأول ومنع إرتداد طاقة الشبان المنتفض نحو الداخل.

إن تحمل المؤسسة الرسمية لمسؤولياتها الشاملة ، سيما في القدس و أرياف الضفة الغربية المهمشة والمهددة من خطر الاستيطان ، وتشجيع المبادرات الشعبية والتوجهات التي تتحدى الاحتلال سيسهم في تعزيز هذه المشاركة، ويشكل بداية تَحوُّل نحو تغيير الواقع، وبالتالي بلورة الأدوات القادرة على تجاوز الأزمة الداخلية التي تعصف بقضيتنا الوطنية.

إن هذا يتطلب أيضاً الإقلاع عن النظر الى المشاريع التنموية سواء الحكومية منها، والتي نفذت بشكل أساسي في الفترة من عام (2008-2013) وتجاوزت الثلاثة آلاف مشروع، أو تلك التي نفذها ويقوم بها القطاع الخاص في هذه المناطق، وكأنها تعايش مع الاحتلال أو تساوق مع ما يُسمى "بالسلام الاقتصادي"، في وقت أنها تشكل ترجمة عملية لما كان وما زال سائداً من شعارات لفظية حول الصمود "لم تغن ولم تسمن من الجوع"، هي في الواقع روافع ضرورية لتمكين المواطنين من البقاء، وتعزيز قدرته على مقاومة مخططات الاحتلال الهادفة إلى ترحيله عن أرضه ومصادر رزقه، سيما أن كفاح شعبنا، وإنتفاضته الحالية تتطلب نفساً طويلاً وثباتاً و مراكمةً للنجاحات.

وهنا يجب الاقرار أيضا بأن القطاع الخاص الفلسطيني لعب دوماً ، الى جانب القطاع الاهلي، وعلى مدار سنوات الاحتلال منذ عام 67، دوراً هاماً واساسياً في تعزيز صمود المواطنين وتوفير فرص العمل التي تُمكنِّهم من البقاء على أرضهم ومقاومة مخططات الاحتلال.

وفي هذا السياق، لا بد من النظر الى أي مبادرات يقوم بها القطاع الخاص من هذا المنظور، بل لا بدّ من تشجيعه على القيام بالمزيد، وعدم الوقوع في أفخاخ التشكيك، والتي للأسف هي جزء من بقايا ثقافة الهزيمة وعدم الثقة بالقدرة على تحقيق النجاح ومراكمته. على سبيل المثال لا الحصر، فقد شكلت مدينة روابي نموذجاً وطنياً ناجحاً على هذا الصعيد، لم تتمكن من حجب رؤيته كل محاولات التضليل والتشكيك بهذا النجاح الفلسطيني بامتياز، وخاصة المحاولات الإسرائيلية التي حاولت أن تنسب هذا النجاح "لكرمها"و"مساعدتها". هذه النظرة التي هي في جوهرها تكشف مضمون الفكر الاستعلائي العنصري، الذي يرفض الاقرار بقدرة الفلسطيني على الإنجاز، تماما كما يرفض حقه في البقاء على هذه الأرض و حقه في تقرير المصير والاستقلال والسيادة عليها . في وقت يعلم الجميع حجم العقبات التي وضعتها إسرائيل، ومازالت، أمام هذه المبادرة الريادية ، ودلالاتها ليس فقط في مواجهة الاستيطان، بل وفي برهنة قدرة الفلسطيني على بناء مستقبله، هذا النجاح و غيره لطالما اعتبرته اسرائيل فشلا لها، ناهيك عما وفرته مثل هذه المبادرات في خلق فرص عمل بديلة للآلاف من عمال المستوطنات، بالإضافة لما تقدمه من أمل للشباب في قطاعات إقتصادية مختلفة.

وبالتأكيد هناك عشرات وربما مئات من الأمثلة الأخرى صغيرة الحجم التي نفذت أو يمكن التفكير بها ، وبما يشمل أيضاً المقاطعة لمنتوجات المستوطنات، وتوفير البدائل الوطنية التي تمكن من المقاطعة الشاملة لمنتجات الإحتلال، وغيرها من الأشكال مهما كانت تبدو بسيطة، ولكنها تمكن كل مواطن ومواطنة من المشاركة في الانتفاضة الشعبية.

إن توسيع نطاق المواجهة مع الاحتلال و مشروعه الاستعماري الاستيطاني يحتاج الى تكامل الجهد الوطني في النضال و البناء والابداع الفلسطيني بمختلف وسائله وأشكاله على أن يظل الصمود على الأرض ، وتوفير روافعه ومقوماته الملموسة وليس مجرد الخطب الفارغة، هو المعيار الأساسي للنضال الوطني و لدور مؤسساتنا سواء الحكومية أو الأهلية أو مؤسسات القطاع الخاص في هذا الجهد الوطني الشامل.

اسرائيل تدرك من تجربتها الخاصة أن من يستطيع بناء مدينة عصرية تنافس أحداث المدن الذكية في العالم، وأن من يستطيع أن يقيم آلاف المشاريع الهادفة الى تعزيز وتنمية قدرة الناس على البقاء المقاوم والدفاع عن أرضها، ووضع حد لمخططات تهجيرهم عنها، سيكون بالتأكيد قادراً على إنهاء الإحتلال، وبناء دولة وإنتزاع حقه في الاستقلال الوطني والسيادة عليها. وعلينا نحن أولاً وقبل غيرنا أن ندرك هذه الحقيقة ومغادرة بقايا ثقافة الهزيمة، وإمتلاك الثقة بالقدرة على النصر، فذلك هو بداية تحقيقه.

مقالات
Viewing all 878 articles
Browse latest View live